وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١))
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) أي : الذي له الكمال المطلق ، وقوله تعالى : (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها ، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها ، وعن ابن عباس : من قال بالله فقد بالغ في اليمين ، وبلغ غاية شدتها (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) أي : أمر من الأمور (لَيَخْرُجُنَ) مما هم متلبسون به من خلافه كائنا ما كان ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا ولئن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال الله تعالى : (قُلْ) أي : لهم (لا تُقْسِمُوا) أي : لا تحلفوا فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى الإقسام ، وههنا قد تم الكلام ، ولو كان قسمهم صادقا لما نهوا عنه ؛ لأن من حلف على القيام بالبر لا ينهى عنه ، فثبت أن قسمهم كان لنفاقهم ، وكان باطنهم يخالف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح ؛ قال المتنبي (١) :
وفي اليمين على ما أنت واعده |
|
ما دل أنك في الميعاد متهم |
وفي رفع قوله تعالى : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره أمرنا طاعة أو المطلوب طاعة ، ثانيها : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : أمثل أو أولى أو خير أي : طاعة معروفة للنبي صلىاللهعليهوسلم خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه ، ثالثها : طاعة مبتدأ أي : هذه الحقيقة ومعروفة هو الخبر أي : معروفة منكم ومن غيركم وإرادة الحقيقة هو الذي سوغ الابتداء بها مع تنكير لفظها ؛ لأن العموم الذي تصلح له قد تخصص بإرادة الحقيقة كما قالوه في أعرف المعارف.
والمعنى أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لا بد أن تظهر مخايلها عل شمائله ، وكذا المعصية ؛ لأنه «ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها» (٢) رواه الطبراني عن عثمان ، وعن
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ١٧٧ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ١٨٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٢٥.