مضت قصتها في سورة النساء.
وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي رضي الله تعالى عنه أرض تقاسماها فوقع إلى علي ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة فقال المغيرة : بعني أرضك فباعه إياها وتقابضا ، فقيل للمغيرة : أخذت سبخة لا ينالها الماء ، فقال لعلي : اقبض أرضك فإنما أشتريتها إن رضيتها ولم أرضها ، فقال علي : بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها لا أقبلها منك ، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال المغيرة : أما محمد فلا نأتيه ولا أحكام إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف عليّ ، فنزلت الآية.
وقال الحسن : نزلت في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر.
ولما نفى تعالى عنهم الإيمان الكامل بما وصفهم به كان كأنه سئل عن حال المؤمنين ، فقال تعالى : (إِنَّما كانَ) أي : دائما (قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : العريقين في ذلك الوصف (إِذا دُعُوا) أي : من أي داع كان (إِلَى اللهِ) أي : إلى ما أنزل الملك الذي لا كفء له من أحكامه (وَرَسُولِهِ) الذي لا ينطق عن الهوى (لِيَحْكُمَ) أي : الرسول (بَيْنَهُمْ) بما أراه الله تعالى أي حكومة من الحكومات لهم أو عليهم (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) أي : الدعاء (وَأَطَعْنا) أي : بالإجابة لله ولرسوله صلىاللهعليهوسلم وهذا ليس على طريق الخبر ولكنه تعليم أدب الشرع بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا (وَأُولئِكَ) أي : العالوا الرتبة (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الذين وصفهم الله تعالى في أول المؤمنين ، وهذا يدل على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي.
ولما رتب تعالى الفلاح على هذا النوع الخاص أتبعه عموم الطاعة بقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) أي : الذي له الأمر كله (وَرَسُولَهُ) أي : فيما ساءه وسره (وَيَخْشَ اللهَ) أي : فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي ليحمله ذلك على كل خير (وَيَتَّقْهِ) أي : الله فيما بقي من عمره بأن يجعل بينه وبين ما يسخطه وقاية من المباحات فيتركها ورعا (فَأُولئِكَ) أي : العالوا الرتبة (هُمُ الْفائِزُونَ) بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم ، وعن ابن عباس في تفسير هذه الآية ومن يطع الله في فرائضه ورسوله في سننه ويخش الله على ما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل ، وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت عليه هذه الآية.
وقرأ أبو عمرو وشعبة وخلاد ويتقه بسكون الهاء بخلاف عن خلاد وقالون باختلاس كسرة الهاء وحفص بسكون القاف ، وقصر كسرة الهاء ، والباقون وخلاد في أحد وجهيه بإشباع كسرة الهاء.
ولما ذكر تعالى ما رتب على الطاعة الظاهرة التي هي دليل الانقياد الباطن ذكر حال المنافقين بقوله تعالى :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ