زدني علما ويقينا ، ولما قال تعالى : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) [طه ، ٩٩] ذكر هذه القصة إنجازا للوعد ، فقال تعالى :
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))
(وَلَقَدْ عَهِدْنا) بما لنا من العظمة (إِلى آدَمَ) أبي البشر أي : وصيناه أن لا يأكل من الشجرة ، وإنما عطفها على قوله تعالى : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) [طه ، ١١٣] للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان ، وعرقهم راسخ بالنسيان (مِنْ قَبْلُ) أي : في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدّم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم (فَنَسِيَ) عهدنا ، وأكل منها (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) أي : تصميم رأي وثبات على الأمر ؛ إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ، ولم يستطع تغريره ؛ قال البيضاوي : ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق أريها وشريها انتهى ، والأري : العسل ، والشري : الحنظل ؛ قال البغوي : قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم بحلم ولده لرجح حلمه ، وقد قال الله تعالى : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ،) وقال البيضاوي : وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه» (١) ، وقد قال تعالى : ولم نجد له عزما ، قال ابن الأثير : والحلم بالكسرة الأناة والتثبت في الأمور.
فإن قيل : ما المراد بالنسيان؟ أجيب : بأنه يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر ، وإنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ، ولم يستوثق منها بقصد القلب عليها ، وضبط النفس حتى تولد من
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي. وروي : «لو وزنت دموع آدم بجميع دموع ولده لرجحت دموعه» أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية ١ / ٤٦.