أسامة الباهلي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اطلبوا اسم الله الأعظم في هذه السور الثلاث : البقرة وآل عمران ، وطه» (١) ، قال الرازي : فوجدنا المشترك في السور الثلاث : الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم (وَقَدْ خابَ) أي : خسر خسارة ظاهرة (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) قال ابن عباس : خسر من أشرك بالله ، والظلم الشرك.
ولما شرح الله تعالى أحوال القيامة ختم الكلام فيها بشرح أحوال المؤمنين ، فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) أي : التي أمره الله تعالى بها بحسب طاقته ؛ لأنه لن يقدر الله أحد حق قدره ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ليكون بناؤها على الأساس كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) [طه ، ٧٥](فَلا يَخافُ ظُلْماً) أي : بزيادة في سيئاته (وَلا هَضْماً) أي : بنقص من حسناته ؛ قاله ابن عباس ، وقيل : لا يؤاخذ بذنب لم يعمله ، ولا تبطل حسنة عملها ، وعبّر تعالى بالفاء إشارة إلى قبول الأعمال وجعلها سببا لذلك الحال ، وأما غير المؤمن ، فلو عمل أمثال الجبال لم يكن لها وزن.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ) معطوف على قوله تعالى : (كَذلِكَ نَقُصُ) أي : ومثل إنزال ما ذكر (أَنْزَلْناهُ) أي : القرآن (قُرْآناً) جامعا لجميع المعاني المقصودة ، ثم وصفه تعالى بأمرين ؛ أحدهما : قوله تعالى (عَرَبِيًّا) أي : بلسان العرب ليفهموه ، ويقفوا على إعجازه وحسن نظمه وخروجه عن كلام البشر ، الثاني : قوله تعالى : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) أي : كرّرناه وفصلناه ، ويدخل تحت الوعيد بيان الفرائض والمحارم ؛ لأن الوعد بهما يتعلق بتكريره وتصريفه يقتضي بيان الأحكام ، فلذلك قال تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : يجتنبون الشرك والمحارم ، وترك الواجبات ، فتصير التقوى لهم ملكة (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) أي : عظة واعتبارا حين يسمعونها ، فيثبطهم عنها ، ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم ، والأحداث إلى القرآن.
(فَتَعالَى اللهُ) في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته وصفاته ذاتهم وصفاتهم (الْمَلِكُ) الذي لا يعجزه شيء ، فلا ملك في الحقيقة غيره (الْحَقُ) أي : الثابت الملك ، فلا زوال لكونه ملكا في زمن ما ، ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة ، ولما شرح الله تعالى كيفية نفع القرآن للمكلفين ، وبيّن أنه سبحانه وتعالى متعال عن كل ما لا ينبغي موصوف بالإحسان والرحمة ، ومن كان كذلك صان رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي ، فلذلك قال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) أي : بقراءته (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) من الملك النازل به إليك من حضرتنا كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة بل رتلناه لك ترتيلا ، ونزلناه إليك تنزيلا مفصلا تفصيلا ، وموصلا توصيلا ، فاستمع له ملقيا جميع تأملك إليه ، ولا تساوقه بالقراءة ، فإذا فرغ فاقرأه ، فإنا نجمعه في قلبك ، ولا نكلفك المساوقة بتلاوته (وَقُلْ رَبِ) أيها المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ (زِدْنِي عِلْماً) أي : سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال ، فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة ؛ روى الترمذي عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما ، والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار» (٢) وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٩٩.