أسرار كتب الله تعالى المنزلة.
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) فلم يؤمن به (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) أي : حملا ثقيلا من الإثم.
(خالِدِينَ فِيهِ) أي : في عذاب الوزر (وَساءَ) أي : وبئس (لَهُمْ) أي : ذلك الحمل (يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقوله : (حِمْلاً) تمييز مفسر للضمير في ساء ، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وزرهم ، واللام للبيان ، ومن أقبل عليه كان مذكرا له بكل ما يريد من العلوم النافعة ويبدل من يوم القيامة
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي : القرن النفخة الثانية ، وقرأ أبو عمرو بنونين الأولى مفتوحة ، وضم الفاء على إسناد الفعل إلى الآمر به تعظيما له ، أو إلى النافخ ، والباقون بياء مضمومة ، وفتح الفاء (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) أي : الكافرين (يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) أي : عيونهم مع سواد وجوههم ؛ لأن زرقة العيون أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب ؛ لأن الروم أعداؤهم ، وهم زرق العيون ، ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد ، أصهب السبال ، أزرق العين ، وقيل : المراد العمى ؛ لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق ، وقيل : عطاشا حال كونهم
(يَتَخافَتُونَ) أي : يخفضون أصواتهم (بَيْنَهُمْ) لما يملأ صدورهم من الرعب والهول ، والخفت خفض الصوت وإخفاؤه (إِنْ) أي : يقول بعضهم لبعض ما (لَبِثْتُمْ) أي : مكثتم (إِلَّا عَشْراً) أي : من الليالي بأيامها في الدنيا ، وقيل : في القبور وقيل : بين النفختين ، وهو مقدار أربعين سنة ؛ قالوا : ذلك إما استقصارا لمدة الراحة في جنب ما بدا لهم من المخاوف ؛ لأن أيام السرور قصار ، وإما لأنها ذهبت عنهم وانقضت ، والذاهب وإن طالت مدته قصيرة بالانتهاء ، ومنه توقيع عبد الله بن المعتز أطال الله تعالى بقاءك كفى بالانتهاء قصرا ، وإما لاستطالتهم الآخرة ، فإنه يستقصر إليها عمر الدنيا ، ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة كما قال تعالى :
(كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) [المؤمنين : ١١٢ ، ١١٣] ، وإما غلطا ودهشة قال الله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ) أي : من كل أحد (بِما يَقُولُونَ) في ذلك اليوم أي : ليس كما قالوا : (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ) أي : أعدلهم (طَرِيقَةً) أي : رأيا أو عملا في الدنيا فيما يحسبون (إِنْ) أي : ما (لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) أي : مبدأ الآحاد لا مبدأ العقود كما قال تعالى في آية أخرى : (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم ، ٥٥] ، فلا يزالون في إفك وصرف عن الحق في الدارين ؛ لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه.
ولما وصف سبحانه وتعالى أمر يوم القيامة حكى سؤال من لا يؤمن بالحشر فقال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ) يا أشرف الخلق (عَنِ الْجِبالِ) كيف تكون يوم القيامة؟ قال الضحاك : نزلت في مشركي مكة قالوا : يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة ، وكان سؤالهم على سبيل الاستهزاء ، ولما كان مقصودهم من هذا السؤال الطعن في الحشر والنشر ، فلا جرم أمره الله تعالى بالجواب مقرونا بحرف التعقيب بقوله : (فَقُلْ) لهم (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ؛) لأن تأخير البيان في هذه المسألة الأصولية غير جائز ، وأما المسائل الفروعية فجائز فلذلك ذكر هناك في نحو قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة ، ٢١٩] ، وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة ، ٢٢٠] بغير حرف التعقيب والنسف التذرية ، وقيل : القلع الذي يقلعها من أصلها ويجعلها