(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر ، ٧] وههنا نكتة لطيفة وهي أن العبد له أسماء ثلاثة ؛ الظالم والظلوم والظلام إذا كثر منه الظلم ، ولله تعالى في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم ، فكأنه تعالى قال : إن كنت ظالما فأنا غافر ، وإن كنت ظلوما فأنا غفور ، وإن كنت ظلاما فأنا غفار ، فيجب على كل من ارتكب معصية كبيرة أو صغيرة أن يتوب منها لهذه الآية ، ودلت على أن العمل الصالح غير داخل في الإيمان ؛ لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان والمعطوف يغاير المعطوف عليه.
ولما أمر تعالى موسى بحضور الميقات مع قوم مخصوصين قال المفسرون : هم السبعون الذين اختارهم الله تعالى من جملة بني اسرائيل ليذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة ، فسار بهم موسى ، ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه وخلف السبعين ، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل ، فقال تعالى له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) أي : لمجيء ميعاد أخذ التوراة (يا مُوسى.)
(قالَ) مجيبا لربه تعالى : (هُمْ أُولاءِ) أي : بالقرب مني يأتون (عَلى أَثَرِي) أي : ماشين على آثار مشي قبل أن ينطمس ، وما تقدمتهم إلا بخطا يسيرة لا يعتد بها عادة ، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم على بعض (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي : لتزداد عني رضا ، فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك يوجب مرضاتك.
تنبيه : في الآية سؤالات :
الأول : قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ) استفهام ، وهو على الله تعالى محال وأجيب عنه : بأنه كان في صورة الاستفهام ، ولا مانع منه.
الثاني : أن موسى لا يخلو إما أن يكون ممنوعا من ذلك التقدم أو لم يكن ، فإن كان الأول كان التقدم معصية ، وإن لم يكن فلا إنكار ، وأجيب عنه : بأنه لعله ما وجد نصا في ذلك فاجتهد ، فأخطأ في اجتهاده ، فاستوجب العتاب.
الثالث : قوله : (وَعَجِلْتُ ،) والعجلة مذمومة ، أجيب عنه بأنها ممدوحة في الدين قال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران ، ١٣٣].
الرابع : قوله : (لِتَرْضى) يدل على أنه إنما فعل ذلك ليحصل الرضا ، وإذا لم يكن راضيا عنه ، وجب أن يكون ساخطا عليه ، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهمالسلام ، أجيب عنه : بأن المراد تحصيل دوام الرضا ، أو زيادته كما مرّ.
الخامس : قوله (إِلَيْكَ) يقتضي كون الله تعالى في جهة لأن إلى لانتهاء الغاية ، وأجيب عنه : بأنا اتفقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل ، فالمراد مكان وعدك.
السادس : قوله تعالى : (ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) سؤال عن سبب العجلة ، فكان جوابه اللائق به أن يقول : طلب زيادة رضاك ، أو التشوق إلى كلامك ، وأما قوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) فغير منطبق عليه كما ترى ؛ أجيب عنه : بأن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين ؛ أحدهما : إنكار نفس العجلة ، والثاني : السؤال عن سبب التقدم ، فأجاب عن السؤال عن العجلة ؛ لأنها أهم ، فقال : وعجلت إليك رب لترضى
(قالَ) تعالى : (فَإِنَّا) أي : تسبب عن عجلتك عنهم أنا (قَدْ فَتَنَّا) أي : ابتلينا (قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) أي : بعد فراقك لهم بعبادة العجل ، وهم الذين خلفهم مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ،