بهمزة الوصل بين الفاء والجيم ، وفتح الميم ، والباقون بهمزة مقطوعة وكسر الميم (ثُمَّ ائْتُوا) أي : للقاء موسى وهارون (صَفًّا) أي مصطفين ؛ لأنه أهيب في صدور الرائين.
تنبيه : اختلفوا في عدد السحرة ، فقال الكلبي : كانوا اثنين وسبعين ساحرا ؛ اثنان من القبط ، وسبعون من بني اسرائيل ، وقال عكرمة : كانوا تسعمائة ؛ ثلاثمائة من الفرس ، وثلاثمائة من الروم ، وثلاثمائة من الاسكندرية.
وقال وهب : خمسة عشرة ألفا ، وقال السدي : بضعة وثلاثون ألفا ، وقال القاسم بن سلام : كانوا سبعين ألفا ، وقيل : اثني عشر ألفا مع كل منهم على كل قول حبل وعصا ، وأقبلوا عليه إقبالة واحدة ، وظاهر القرآن لا يدل على شيء من هذه الأقوال. ولما كان التقدير : فمن أتى كذلك فقد استعلى عطف عليه قوله : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ) في هذا الجمع الذي ما اجتمع مثله قط (مَنِ اسْتَعْلى) أي : فاز بالمطلوب من غلب ، فلما أتى السحرة موسى.
(قالُوا) له متأدبين ؛ لأنّ لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر ؛ بل نفعهم قال بعضهم : ولذلك رزقهم الله تعالى الإيمان ببركته (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) أي : ما معك مما تناظرنا به أولا (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ) نحن (أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) ما معه.
(قالَ) لهم موسى مقابلا لأدبهم بأحسن منه ، ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء ، وليكون هو الآخر ، فتكون له العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم ، فلا يكون بعدها شك لا ألقي أنا أولا (بَلْ أَلْقُوا) أنتم أولا ، فانتهزوا الفرصة ؛ لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تغيير السياق والتصريح بالأول ، فألقوا ما معهم من الحبال والعصي (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) أي : التي ألقوها قد فاجأت أنه (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) تخييلا مبتدأ (مِنْ سِحْرِهِمْ) أي : الذي قد فاقوا به أهل الأرض (أَنَّها) لشدة اضطرابها (تَسْعى) فإن قيل : كيف يجوز أن يقول موسى : (بَلْ أَلْقُوا) فيأمرهم بما هو سحر؟ أجيب : بأن ذلك الأمر كان مشروطا ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ؛ كما في قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة ، ٢٣] ، أي : إن كنتم صادقين ، وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس ، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات ، وكانت قد أخذت ميلا من كل جانب ، ورأوا أنها تسعى ، وقيل : لطخوها بالزئبق ، فلما وقعت عليها الشمس اضطربت ، فخيل إليهم أنها تتحرك ، وقرأ ابن ذكوان تخيل بالتاء الفوقية على التأنيث ، والباقون بالياء على إسناده إلى ضمير الحبال.
(فَأَوْجَسَ) أي : أحس (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) عليه الصلاة والسّلام فإن قيل : كيف استشعر الخوف ، وقد عرض عليه المعجزات الباهرات كالعصا واليد ، ثم إن الله تعالى قال له بعد ذلك : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) فكيف وقع الخوف في قلبه؟ أجيب بأوجه : أحدها : أنه خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزته أن يلتبس أمره على الناس ، فلا يؤمنوا به ، الثاني : أنه خوف طبع البشرية مثل ما خاف من عصاه أول ما رآها كذلك ، الثالث : لعله كان مأمورا أن لا يفعل شيئا إلا بالوحي ، فلما تأخّر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت خاف أن لا ينزل عليه الوحي في ذلك الجمع ، فيبقى الخجل.
ثم إنه أزال ذلك الخوف بقوله تعالى : (قُلْنا لا تَخَفْ) من شيء من أمرهم ولا غيره ، ثم علل ذلك بقوله تعالى ، وأكده أنواعا من التأكيد لاقتضاء الحال إنكار أن يغلب أحد ما أظهروا من