لهم بكل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون لهم عنها مصرفا. ثم وصفهم بما أوجب لهم ذلك بقوله تعالى : (الَّذِينَ كانَتْ) كونا كأنه جبلة لهم (أَعْيُنُهُمْ) وهو بدل من الكافرين (فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي : عن القرآن فهم لا يهتدون به وعما جعلنا على الأرض من زينة دليلا على الساعة بإفنائه ثم إحيائه وإعادته بعد إبداده (وَكانُوا) بما جعلناهم عليه (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي : لا يقدرون أن يسمعوا من النبي صلىاللهعليهوسلم ما يتلو عليهم بغضا له فلا يؤمنون به.
ولما بيّن تعالى أمر الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم أتبعه بقوله تعالى : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح والأموات كالأصنام (مِنْ دُونِي) وقوله تعالى : (أَوْلِياءَ) أي : أربابا مفعول ثان ليتخذوا ، والمفعول الثاني لحسب محذوف ، والمعنى : أظنوا أنّ الاتخاذ المذكور ينفعهم ولا يغضبني ولا أعاقبهم عليه كلا ، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بسكونها وهم على مراتبهم في المدّ. ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري ليس الأمر كذلك حسن جدا قوله تعالى مؤكدا لأجل إنكارهم (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ) التي تقدم أنا عرضناها لهم (لِلْكافِرِينَ) أي : هؤلاء وغيرهم (نُزُلاً) أي : هي معدة لهم كالمنزل المعد للضعيف وهذا على سبيل التهكم ونظيره قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران ، ٢١].
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))
ثم ذكر تعالى ما فيه تنبيه على جهل القوم فقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) لهم (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) أي : نخبركم وأدغم الكسائي لام هل في النون والباقون بالإظهار (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) أي : الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبوارا ، واختلفوا فيهم فقال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص : هم اليهود والنصارى وهو قول مجاهد ، قال سعد بن أبي وقاص : أما اليهود فكذبوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وأما النصارى فكفروا بالجنة فقالوا : لا طعام فيها ولا شراب انتهى. قال البقاعي : وكذا قال اليهود لأن الفريقين أنكروا الحشر الجسماني وخصوه بالروحاني ، وقيل : هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع.
تنبيه : (أَعْمالاً) تمييز للأخسرين جمع عمل وإن كان مصدر التنوع أعمالهم ، ثم وصفهم تعالى بضدّ ما يدّعونه لأنفسهم من نجاح السعي وإحسان الصنع فقال تعالى : (الَّذِينَ ضَلَ) أي : ضاع وبطل (سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لكفرهم.
تنبيه : محل الموصول الجر نعتا أو بدلا أو بيانا أو النصب على الذم أو الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال ، ومعنى خسرانهم أنه مثلهم بمن يشتري سلعة يرجو فيها ربحا فخسر وخاب سعيه كذلك أعمال هؤلاء الذين أتعبوا أنفسهم مع ضلالهم فبطل جدّهم واجتهادهم في