عند المنارة البيضاء في دمشق بين مهرودتين أي : حلتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه حتى يدركه بباب لد قرية بالشام قريبة من الرملة فيقتله ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويخبرهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فجوّز عبادي إلى الطور ويبعث يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقول : لقد كان بهذه مرّة ماء ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله تعالى فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم وهو بالتحريك دود يكون في أنوف الإبل والغنم كما مرّ واحدتها نغفة فيصبحون فرسا أي : قتلى الواحد فريس ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه رممهم ونتنهم فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله تعالى عليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم حيث شاء الله تعالى ، ثم يرسل الله تعالى مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة وهي بالتحريك جمعها زلف مصانع الماء ، ويجمع على المزالف أيضا أي : فتصير الأرض كأنها مصنعة من مصانع الماء ، وقيل : كالمرآة ، وقيل : الزلفة الروضة ، وقيل : بالقاف أيضا ، ثم يقال للأرض انبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل وهو بتحريك الراء والسين من الإبل والغنم من عشرة إلى خمسة وعشرين حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس وهو مهموز الجماعة الكثيرة واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى عليهم ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي) الذي وعد به في خروج يأجوج ومأجوج وإحراقهم الأرض وإفسادهم لها قرب قيام الساعة (حَقًّا) كائنا لا محالة فلذلك أعان تعالى على هدمه» هذا آخر حكاية ذي القرنين. وفي القصة أن ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفي بشيرزور وذكر بعضهم أنّ عمره كان نيفا وثلاثين سنة ، سبحان من يدوم عزه وبقاؤه ، ثم إنه تعالى قال عاطفا على ما تقديره فقد بان أمر ذي القرنين أيّ بيان وصدق في قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) فإنه إذا جاء وعدنا جعلناه بقدرتنا التي نؤتيها ليأجوج ومأجوج دكا فأخرجناهم على الناس بعد خروج الدجال.
(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) أي : يأجوج ومأجوج (يَوْمَئِذٍ) أي : حين يخرجون (يَمُوجُ) أي : يضطرب (فِي بَعْضٍ) كموج البحر أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي : القرن النفخة الثانية لقوله تعالى : (فَجَمَعْناهُمْ) أي : الخلائق في مكان واحد يوم القيامة ، قال البقاعي : ويجوز أن تكون هذه الفاء فاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى أي : ونفخ فمات الخلائق كلهم فبليت أجسامهم وتفتت عظامهم كما كان من تقدّمهم ، ثم نفخ الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه وتفرّقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك (جَمْعاً) فأمتناهم دفعة واحدة كلمح البصر وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم للثواب والعقاب.
(وَعَرَضْنا) أي : أظهرنا (جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ جمعناهم لذلك (لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) ظاهرة