(وَيَوْمَ) التقدير واذكر لهم يا محمد يوم عطفا على قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ يَقُولُ) أي : الله يوم القيامة لهؤلاء الكفار تهكما بهم وقرأ حمزة بالنون والباقون بالياء (نادُوا شُرَكائِيَ) أي : ما عبد من دوني وقيل : إبليس وذرّيته ثم بيّن تعالى أن الإضافة ليست على حقيقتها بل توبيخ لهم فقال تعالى : (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شركائي أو شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي (فَدَعَوْهُمْ) تماديا في الجهل والضلال (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي : فلم يغيثوهم استهانة بهم واشتغالا بأنفسهم فضلا عن أن يعينوهم (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) أي : المشركين والشركاء (مَوْبِقاً) أي : واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا ، وهو من وبق بالفتح هلك ، نقل ابن كثير عن عبد الله بن عمر أنه قال : هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلال ، وقال الحسن البصري : عداوة أي : يؤول بهم إلى الهلاك والتلف كقول عمر رضي الله تعالى عنه : لا يكون حبك كلفا ولا بغضك تلفا أي : لا يكن حبك يجر إلى الكلف ولا بغضك يجر إلى التلف ، وقيل : الموبق البرزخ البعيد أي : وجعلنا بين هؤلاء الكفار وبين الملائكة وعيسى برزخا بعيدا يهلك فيه الساري لفرط بعده لأنهم في قعر جهم وهم في أعلى الجنان.
ولما قرر سبحانه وتعالى ما لهم مع شركائهم ذكر حالهم في استمرار جهلهم فقال تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ) أي : العريقون في الإجرام (النَّارَ) من مكان بعيد (فَظَنُّوا) ظنا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) أي : مخالطوها في تلك الساعة من غير تأخير ومهلة لشدّة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها كما قال تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان ، ١٢] فإن مخالطة الشيء لغيره إذا كانت قوية تامّة يقال لها : مواقعة (وَلَمْ) أي : والحال أنهم لم (يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي : مكانا ينصرفون إليه لأن الملائكة تسوقهم إليها والموضع موضع التحقق ولكن ظنهم جريا على عادتهم في الجهل كما قالوا : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) بغير علم (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) إن نظنّ إلا ظنا وما نحن بمستيقنين مع قيام الأدلة التي لا شك فيها ، وقيل : الظن هنا بمعنى العلم واليقين.
ولما افتخر هؤلاء الكفار على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم وبيّن الله تعالى الوجوه الكثيرة أن قولهم فاسد وشبههم باطلة ذكر فيه المثلين المتقدّمين ثم قال بعده :
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى