الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلا ، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسم الله ولم يذكر الله دخل معه ، وإذا أكل ولم يسم الله أكل معه ، قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت : ارفعوا وخاصمتهم ثم اذكر فأقول داسم داسم. وعن عثمان بن أبي العاص قال : قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذلك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بالله واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني» (١) ، وعن أبيّ بن كعب أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «للوضوء شيطان يقال له : الولهان فاتقوا وساوس الماء» (٢) ، وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئا قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال : فيدنيه منه ويقول : نعم أنت» (٣) ، قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه.
واختلفوا في عود الضمير في قوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ) على وجوه ؛ أحدها : وهو الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى ما أشهدت الذين اتخذوهم أولياء (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أي : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله تعالى : (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء ، ٦٦] نفى إحضار إبليس وذريته خلق السماوات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) أي : الذين يضلون الناس ووضع الظاهر موضع المضمر إظهارا لإضلالهم وذمّا لهم (عَضُداً) أي : أعوانا. وثانيها : قال الرازي : وهو الأقوى عندي إن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء من عندك فلا نؤمن بك فكأنه تعالى قال : إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة بل هم قوم كسائر الخلق فلم أقدموا على الاقتراح الفاسد قال : والذي يؤكد هذا أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات فالأقرب في هذه الآية هو أولئك الكفار وهو قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) والمراد بالظالمين أولئك الكفار ، وثالثها : أن يكون المراد من قوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ) إلى آخره دون هؤلاء الكفار جاهلين بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة والشقاوة فكأنه قيل لهم : السعيد من حكم الله بسعادته والشقي من حكم الله بشقاوته في الأزل وأنتم غافلون عن أحوال الأزل فإنه تعالى قال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ) إلى آخره وإذا جهلتم هذه الحالة فكيف يمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة والعلوّ والكمال ولغيركم بالذل والدناءة بل ربما صار الأمر في الدنيا والآخرة على العكس مما حكمتم به.
ولما قرّر تعالى أن القول الذي قالوه في الافتخار على الفقراء اقتدوا في بإبليس عاد بعده إلى التهويل بأهوال القيامة فقال :
__________________
(١) أخرجه مسلم في السّلام حديث ٢٢٠٣.
(٢) أخرجه الترمذي في الطهارة حديث ٥٧ ، وابن ماجه في الطهارة حديث ٤٢١.
(٣) أخرجه مسلم في القيامة حديث ٢٨١٣.