آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨))
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) وأظهر نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم الدال وأدغمها الباقون (فِي هذَا الْقُرْآنِ) أي : القيم الذي لا عوج فيه مع جمعه للمعاني (لِلنَّاسِ) أي : المزلزلين والثابتين وقوله : (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) صفة لمحذوف أي : مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا أو أنّا حولنا الكلام وصرّفناه في كل وجه من وجوه المعاني وألبسناه من العبارات الرائقة والأساليب المتناسقة ما صار بها في غرابته كالمثل يقبله كل من سمعه وتضرب به آباط الإبل في سائر البلاد بين العباد فتسر به قلوبهم وتلهج به ألسنتهم فلم يقبلوه ولم يتركوا المجادلة الباطلة كما قال تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ) يتأتى منه الجدال وميز الأكثرية بقوله تعالى : (جَدَلاً) أي : خصومة ، قال بعض المحققين والآية دالة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام جادلوهم في الدين لأنّ المجادلة لا تحصل إلا من الطرفين ولهذا قيل : أراد بالإنسان الكافر ، وقيل : الآية على العموم ، قال ابن الخازن : وهو الأصح وكذا قال البغوي فعن عليّ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضي الله تعالى عنها ليلة فقال : ألا تصليان؟ فقلت : يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) وقال ابن عباس : أراد النضر بن الحارث وجداله في القرآن ، وقال الكلبي : أراد به خلفا الجمحي.
ولما بيّن سبحانه وتعالى إعراضهم بيّن موجبه عندهم فقال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ) أي : الذين جادلوا بالباطل الإيمان هكذا كان الأصل ولكنه عبر عن هذا المفعول الثاني بقوله : (أَنْ يُؤْمِنُوا) ليفيد التجديد وذمّهم على الترك (إِذْ) أي : حين (جاءَهُمُ الْهُدى) أي : القرآن على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم وعطف على المفعول الثاني معبرا بمثل ما مضى لما مضى قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) أي : لا مانع لهم من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة.
ولما كان الاستثناء مفرغا أتى بالفاعل فقال : (إِلَّا أَنْ) أي : طلب أن (تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي : سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدّر عليهم (أَوْ) طلب أن (يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أي : مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر ، وقيل : عذاب الآخرة وقرأ الكوفيون برفع القاف والباء الموحدة والباقون بكسر القاف وفتح الباء الموحدة.
ولما كان ذلك ليس إلى الرسول وإنما هو إلى الله تعالى نبه بقوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) بالثواب على أفعال الطاعة (وَمُنْذِرِينَ) بالعقاب على أفعال المعصية فيطلب منهم الظالمون من أممهم ما ليس إليهم (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : يجدّدون الجدال كلما أتاهم أمر من قبلنا (بِالْباطِلِ) من قولهم : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [يس ، ١٥] ولو كنتم صادقين لأتيتم بما يطلب منكم مع أن ذلك ليس كذلك إذ ليس لأحد غير الله من الأمر شيء (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي : ليبطلوا بجدالهم (الْحَقَ) أي : القرآن والمعجزات المثبتة لصدقهم (وَاتَّخَذُوا آياتِي) أي :القرآن (وَما أُنْذِرُوا) أي : وإنذارهم أو والذي أنذروا به من العقاب (هُزُواً) أي : استهزاء وقرأ