حلب ناقة غزيرة وعند عامّة الفقهاء أنه لا أثر له في الكلام ما لم يكن موصولا واحتج ابن عباس بأنّ قوله : (إِذا نَسِيتَ) غير مختص بوقت غير معين بل هو متناول لكل الأوقات وظاهره أنّ الاستثناء لا يجب أن يكون متصلا أمّا عامّة الفقهاء فقالوا : لو جوّزنا ذلك للزم أن لا يستقرّ شيء من العقود والأيمان. يحكى أنّ المنصور بلغه أنّ أبا حنيفة خالف ابن عباس في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له الإمام أبو حنيفة : هذا يرجع عليك لأنك تأخذ البيعة بالأيمان أترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن المنصور كلامه ورضي عنه واستدلّ بأنّ الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعقد والعهد. قال تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة ، ١] وقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) [الإسراء ، ٣٤] فإذا أتى بالعقد أو العهد وجب عليه الوفاء بمقتضاه لأجل هذه الآيات خالفنا الدليل فيما إذا كان الاستثناء متصلا لأنّ الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد بدليل أنّ الاستثناء وحده لا يفيد شيئا فهو جار مجرى بعض الكلمة الواحدة فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة ، فإذا لم يكن متصلا أفاد الالتزام التامّ فوجب الوفاء بذلك الملتزم ، وقيل : إنّ قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله. قال عكرمة : واذكر ربك إذا غضبت وقال وهب : مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب. وقال الضحاك والسدي : هذا في الصلاة المنسية. قال الرازيّ : وتعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القصة وجعله مستأنفا يصير الكلام مبتدأ منقطعا وذلك لا يجوز.
وفي قوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) وجوه : الأوّل : أن يكون قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ليس يحسن تركه وذكره أولى من تركه وهو قوله : (لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) والمراد منه ذكر هذه الجملة. الثاني : أنه لما وعدهم بشيء وقال معه إن شاء الله فيقول : وعسى أن يهدين ربي لشيء أحسن وأكمل مما وعدتكم به. الثالث : أنّ قوله : (عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) إشارة إلى قصة أصحاب الكهف ، أي : لعلّ الله يوفقني من البينات والدلائل على صحة نبوّتي وصدقي في ادعاء النبوّة ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من قصة أصحاب الكهف ، وقد فعل الله تعالى ذلك حين آتاه من قصص الأنبياء والأخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك.
ثم شرع تعالى في آية هي آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف بقوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) أي : نياما (ثَلاثَ مِائَةٍ) أي : مدّة ثلاثمئة (سِنِينَ) قال بعضهم : وهذه السنون الثلاثمئة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها تسع سنين وقد ذكرت في قوله : (وَازْدَادُوا تِسْعاً) أي : تسع سنين لأنّ التفاوت بين الشمسة والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين لأنّ السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة فالثلاثمئة سنة الشمسية ثلاثمئة وتسع قمرية قال الرازي : وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول ويمكن أن يقال : لعلهم لما استكملوا ثلاثمئة سنة قرب أمرهم من الانتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين وقرأ حمزة والكسائي بغير تنوين في الوصل والباقون بالتنوين فسنين عطف بيان لثلاثمائة لأنه لما قال : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) لم يعرف أنها أيام أو شهور أو سنون ، فلما قال : (سِنِينَ) صار هذا بيانا لقوله : (ثَلاثَ مِائَةٍ) فكان ذلك عطف بيان له. وقيل : هو على