تنبيه : في الآية حذف والتقدير سيقولون هم ثلاثة كما تقدّم تقديره فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه وقيل : الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم ، أي : ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على الظنّ.
ثم إنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعها بأن نهى رسوله صلىاللهعليهوسلم عن شيئين عن المراء وعن الاستفتاء أمّا النهي عن المراء فبقوله تعالى : (فَلا تُمارِ) أي : تجادل (فِيهِمْ) أي : في شأن الفتية (إِلَّا مِراءً) أي : جدالا (ظاهِراً) أي : غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما في القرآن من غير أن تكذبهم في تعيين ذلك العدد ونظيره قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت ، ٤٦] ، وأمّا النهي عن الاستفتاء فقوله تعالى : (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) أي : ولا تسأل (مِنْهُمْ) أي : من أهل الكتاب اليهود (أَحَداً) عن قصتهم سؤال مسترشد لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم وفيما أوحي إليك مندوحة عن غيره ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده فإنه يخل بمكارم الأخلاق.
ولما سأل أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم أخبركم به غدا ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوما وفي رواية أخرى أربعين يوما نزل : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ،) أي : لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) الشيء (غَداً) أي : فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة. (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : إلا متلبسا بمشيئته بأن تقول : إن شاء الله والسبب في ذلك أنّ الإنسان إذا قال سأفعل الفعل الفلاني غدا لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد ولم يبعد أيضا إن بقي حيا أن يعيقه عن ذلك الفعل سائر العوائق فإذا لم يقل إن شاء الله صار كاذبا في ذلك الوعد والكذب منفر لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسّلام فلهذا السبب وجب عليه أن يقول : إن شاء الله حتى إذا تعذر عليه الوفاء بذلك الوعد لم يصر كاذبا ولم يحصل التنفير.
تنبيه : قال كثير من الفقهاء : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم يقع عليه الطلاق لأنه لما علق وقوع الطلاق على مشيئته تعالى لم يقع عليه الطلاق إلا إذا علمنا حصول المشيئة ومشيئة الله تعالى غيب لا سبيل لنا إلى العلم بحصولها إلا إذا علمنا أن متعلق المشيئة وقع وهو الطلاق ، وعلى هذا لا يعرف حصول المشيئة إلا إذا وقع الطلاق ولا يعرف وقوع الطلاق إلا إذا عرفت المشيئة فيتوقف العلم بكل واحد منهما على العلم بالآخر وهو دور فلهذا لا يقع الطلاق. وقيل : المراد إلا أن يشاء الله ، أي : إلا أن يأذن لك الله تعالى في ذلك القول والمعنى : أنه ليس لك أن تخبر عن نفسك بأنك تفعل الفعل الفلاني إلا أن يأذن لك الله تعالى في ذلك الإخبار ، وقد احتج القائلون بأنّ المعدوم شيء بهذه الآية لأنّ الشيء الذي سيفعله غدا معدوم في الحال فوجب تسمية المعدوم بأنه شيء. وأجيب : بأنّ هذا الاستدلال لا يفيد إلا أنّ المعدوم يسمى بكونه شيئا وعندنا أنّ السبب فيما سيصير شيئا يجوز تسميته بكونه شيئا في الحال كما قال تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل ، ١] والمراد سيأتي أمر الله.
واختلف في معنى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) فقال ابن عباس ومجاهد والحسن : معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وعند هذا اختلفوا فقال ابن عباس : لو لم يحصل التذكر إلا بعد مدّة طويلة ثم ذكر إن شاء الله كفى في رفع الحنث. وعن سعيد بن جبير بعد سنة أو شهر أو أسبوع أو يوم ، وعن طاوس لا يقدر على الاستثناء إلا في مجلسه. وعن عطاء يستثني على مقدار