خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١))
(سَيَقُولُونَ) أي : الخائضون في قصتهم من أهل الكتاب والمؤمنين فقال بعض أهل الكتاب : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) أي : هم ثلاثة رجال ورابعهم كلبهم بانضمامه إليهم (وَيَقُولُونَ) أي : بعضهم (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) فهذان القولان لنصارى نجران وقيل : الأوّل قول اليهود والثاني قول النصارى. فإن قيل : لم جاءت سين الاستقبال في الأوّل دون الأخيرين؟ أجيب : بأنّ في ذلك وجهين : أن تدخل الأخيرين في حكم السين كما تقول : قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له.
ولما كان قولهم ذلك بغير علم كان (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي : ظنا في الغيبة عنهم فهو راجع إلى القولين معا ونصب على المفعول له ، أي : لظنهم ذلك (وَيَقُولُونَ) أي : المؤمنون (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال أكثر المفسرين : هذا الأخير هو الحق ويدل عليه وجوه : الأوّل : أنه تعالى لما حكى قوله (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال بعده : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) وأتبع القولين الأوّلين بقوله تعالى : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أنّ الحال في الباقي بخلافه فوجب أن يكون المخصوص بالظنّ الباطل هو القولان الأوّلان ، وأن يكون القول الثالث مخالفا لهما في كونه رجما بالغيب.
الوجه الثاني : أنّ الواو في قوله تعالى : (وَثامِنُهُمْ) هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا من المعرفة في نحو قولك : جاءني رجل ومعه آخر توكيد للصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أنّ اتصافه بها أمر ثابت مستقرّ فكانت هذه الواو دالة على أنّ الذين كانوا في الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، وقول محمد بن إسحاق : إنهم كانوا ثمانية مردود فكأنّ الله تعالى حكى اختلافهم وتم الكلام عند قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) ثم حقق هذا القول بقوله تعالى : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) والثامن لا يكون إلا بعد السبع وهذه الواو يسمونها واو الثمانية لأنّ العرب تعد فتقول : واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأنّ العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ونظير هذه الآية في ثلاث آيات وهو قوله تعالى : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة ، ١١٢] وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر ، ٧١] لأنّ ابواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة. وقوله تعالى : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم ، ٥]. قال القفال : وقولهم : واو الثمانية ليس بشيء بدليل قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر ، ٢٣] ولم يذكروا الواو في النعت الثامن اه. وقد يجاب بأنّ ذلك جرى على الغالب.
الوجه الثالث : أنه تعالى قال : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) وهذا يقتضي أنه حصل العلم بعدّتهم لذلك القليل. وكان ابن عباس يقول : أنا من أولئك العدد القليل وكان يقول : إنهم سبعة وثامنهم كلبهم. وكان عليّ رضي الله تعالى عنه يقول : كانوا سبعة. قال الرازي : وأسماؤهم تمليخا ومكسلمينا ومشلينا وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك وعن يساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان الملك يستشير هؤلاء الستة ليتصرّفوا في مهماته ، والسابع كشفططيوش وهو الراعي الذي وافقهم لما هربوا من ملكهم. وروي عن ابن عباس أنه قال : هم مكشلمينا وتمليخا ومرطونس ويدنونس ودونواقس وكقشططونس وهو الراعي واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم أفسوس.