ذهب فلما أمسى ونام أتوه في المنام وقالوا له : إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب وإلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله تعالى منه فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم ، وقيل : إنّ تمليخا لما حمل إلى الملك الصالح قال له الملك : من أنت؟
قال : أنا رجل من أهل هذه المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أنّ فتية فقدوا في الزمان الأوّل وأن أسماؤهم مكتوبة على لوح في خزانته فدعا باللوح فنظر في أسمائهم فإذا اسمه مكتوب في ذكر أسماء الآخرين فقال تمليخا : هم أصحابي فلما سمع الملك ذلك ركب هو ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا : دعوني حتى أدخل على أصحابي وأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم فقضبت روحه وأرواحهم وأغمي على الملك وأصحابه أثرهم فلم يهتدوا عليهم.
ثم وقع التنازع في أمرهم بين أهل المدينة كما قال تعالى : (إِذْ يَتَنازَعُونَ) أي : أهل المدينة (بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي : أمر الفتية في البناء حولهم (فَقالُوا ،) أي : الكفار (ابْنُوا عَلَيْهِمْ) أي : حولهم (بُنْياناً) يسترهم فإنهم كانوا على ديننا وقوله تعالى : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) يجوز أن يكون من كلام الله تعالى وأن يكون من كلام المتنازعين فيهم (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) أي : أمر الفتية وهم المؤمنون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ) أي : حولهم (مَسْجِداً) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف ، وقيل : إنّ بعضهم قال : الأولى أن نسدّ باب الكهف عليهم لئلا يدخل أحد عليهم ولا يقف على أحوالهم إنسان. وقال الآخرون : بل الأولى أن نبني على باب الكهف مسجدا وهذا القول يدل على أنّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله ومعترفين بالعبادة والصلاة ، وقيل : تنازعوا في مقدار مكثهم وقيل : في عددهم وأسمائهم.
تنبيه : (بُنْياناً) يجوز أن يكون مفعولا به جمع بنيانة وأن يكون مصدرا.
ولما ذكر أصحاب الكهف عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقع الاختلاف في عددهم كما قال تعالى :
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً