ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام |
يجوز في ذم فتح الميم وكسرها وضمها وقوله بعد منزلة اللوى أي : بعد مفارقتها والإضافة في منزلة اللوى للبيان وهو ممدود ولكن قصره هنا للضرورة والعيش عطف على المنازل والأيام صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان له (كانَ عَنْهُ) أي : بوعد لا خلف فيه (مَسْؤُلاً) بسؤال يخصه.
تنبيه : ظاهر الآية يدل على أنّ الجوارح مسؤولة وفيه وجوه الأوّل : أنّ معناه أنّ صاحب السمع والبصر والفؤاد هو المسؤول لأنّ السؤال لا يصح إلا ممن كان عاقلا وهذه الجوارح ليست كذلك بل العاقل الفاهم هو الإنسان كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف ، ٨٢] أي : أهلها والمعنى أنه يقال للإنسان لم سمعت ما لم يحل سماعه ولم نظرت ما لم يحل نظره ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه.
الثاني : أنّ تقدير الآية أنّ أولئك الأقوام كلهم مسؤولون عن السمع والبصر والفؤاد فيقال لهم استعملتم السمع فيماذا أفي الطاعة أم في المعصية؟ وكذا القول في بقية الأعضاء وذلك لأنّ الحواس آلات النفس والنفس كالأمير لها والمستعمل لها في مصالحها فإن استعملها في الخيرات استوجب الثواب ، وإن استعملها في المعاصي استحق العقاب.
الثالث : أن الله تعالى يخلق الحياة في الأعضاء ثم أنها تسأل لقوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور ، ٢٤] فكذلك لا يبعد أن يخلق العقل والحياة والنطق في هذه الأعضاء ثم أنها تسأل روي عن شكل بن حميد قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا نبيّ الله علمني تعويذا أتعوذ به فأخذ بيدي ثم قال : «قل أعوذ بك من شرّ سمعي وشر بصري وشرّ لساني وشرّ قلبي وشرّ منيي» (١) قال : فحفظتها ، قال سعد : المني ماؤه.
النهي الثاني : قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ) أي : جنسها (مَرَحاً) أي : ذا مرح وهو شدّة الفرح والمراد من الآية النهي عن أن يمشي الإنسان مشيا يدل على الكبرياء والعظمة. قال الزجاج : ولا تمش في الأرض مختالا فخورا ، ونظيره قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان ، ٦٣] وقال تعالى في سورة لقمان : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) [لقمان ، ١٩] وقال تعالى فيها : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [لقمان ، ١٨]. ثم علل تعالى النهي عن ذلك بقوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي : تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) أي : بتطاولك وهو تهكم بالمختال لأنّ الاختيال حماقة مجردة لا تفيد شيئا ليس في التذلل وفي ذلك إشارة إلى أنّ العبد ضعيف لا يقدر على خرق أرض ولا وصول إلى جبال فهو محاط به من فوقه ومن تحته بنوعين من الجمادات وهو أضعف منهما بكثير والضعيف المحصور لا يليق به التكبر فكأنه قيل له تواضع ولا تتكبر فإنك خلق ضعيف من خلق الله محصور بين حجارة وتراب فلا تفعل فعل المقتدر القوي وقيل ذكر ذلك لأن من مشى خيلاء يمشي مرّة على عقبيه ومرّة على صدور قدميه فقيل له إنك لن تثقب الأرض إن
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١٥٥١ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٤٩٢ ، والنسائي في الاستعاذة حديث ٥٤٤٤.