مشيت على عقبيك ولن تبلغ الجبال طولا إن مشيت على صدور قدميك. قال عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا مشى تكفأ تكفأ كأنما ينحط من صبب» (١). وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : «ما رأيت أحسن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنّ الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث» (٢).
وقوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ) إشارة إلى ما نهى عنه مما تقدّم فإنّ الذي تقدّم منهيات ومأمورات وجملة ذلك من قوله تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الإسراء ، ٢٢] إلى هنا خمسة وعشرون وها أنا أسردها لك تسهيلا عليك. فأوّلها : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الإسراء ، ٢٢]. وثانيها وثالثها : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) لاشتماله على تكليفين الأمر بعبادة الله تعالى والنهي عن عبادة غيره. ورابعها : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.) خامسها : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ.) سادسها : (وَلا تَنْهَرْهُما.) سابعها : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ثامنها : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.) تاسعها : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً.) عاشرها : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.) حادي عشرها : (وَالْمِسْكِينَ.) ثاني عشرها : (وَابْنَ السَّبِيلِ.) ثالث عشرها : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.) رابع عشرها : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً.) خامس عشرها : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ.) سادس عشرها : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ.) سابع عشرها : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ.) ثامن عشرها : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ.) تاسع عشرها : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً.) عشروها : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) حادي عشريها : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) ثاني عشريها : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ.) ثالث عشريها : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ.) رابع عشريها : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.) خامس عشريها : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً.) فكل هذه تكليفات بعضها أوامر وبعضها نواه فالمنهي عنه هو الذي الذي قال تعالى فيه : (كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) أي : يبغضه والعاقل لا يفعل ما يكرهه المحسن إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الهمزة وبالتاء منونة منصوبة وقرأ الباقون بضم الهمزة والهاء مضمومة من غير تنوين.
والمعنى على هذا ظاهر ، أي : إن سيئ تلك الأقسام يكون مكروها ، وأمّا القراءة الأولى فسيئة خبر كان وأنث حملا على معنى كل ثم قال مكروها حملا على لفظها. وقال الزمخشري : إن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والاسم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنثيه ولا فرق بين سيئة وسيأ ألا ترى أنك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فلا فرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث ، وفي نصب مكروها أوجه أحدها : أنه خبر ثان لكان. الثاني : أنه بدل من سيئة وضعف بأن البدل بالمشتق قليل. الثالث : أنه حال من الضمير المستتر في عند ربك لوقوعه صفة لسيئه. الرابع : أنه نعت لسيئه وإنما ذكّر وصف سيئه لأن تأنيثه وتأنيث موصوفه مجازي ، وردّ بأن ذلك إنما يجوز حيث أسند إلى المؤنث المجازي ، أما إذا أسند إلى ضميره فلا نحو الشمس طالعة فلا يجوز طالع.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في المناقب باب ٨ ، وأحمد في المسند ١ / ٩٦ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٧ ، ١٣٤ ، ١٥١.
(٢) أخرجه الترمذي في المناقب باب ١٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٥٠ ، ٣٨٠.