القاسم عن عبد الله بن بشر المازني أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم وضع يده على رأسه وقال : «سيعيش هذا الغلام قرنا». قال محمد بن القاسم : ما زلنا نعدّ له حتى تمت له مائة سنة ، ثم مات (١). وقال الكلبي : القرن ثمانون سنة وقيل أربعون.
ثم قال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَكَفى بِرَبِّكَ) أي : المحسن إليك (بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي : عالما ببواطنها وظواهرها فكم من إنسان كنتم ترونه من أكابر الصالحين ثم استقرّت عاقبته على خلاف ذلك وكم من شخص ترونه مجتهدا في العبادة فإذا خلا بارز ربه بالعظائم ، وتقديم الخبر لتقديم متعلقه.
ولما قرّر أنه سبحانه وتعالى عالم ببواطن عباده وظواهرهم قسمهم إلى قسمين : الأوّل : قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) أي : الدنيا مقصورا عليها همه (عَجَّلْنا لَهُ فِيها) أي : العاجلة بأن نفيض عليه من منافعها (ما نَشاءُ) أي : من البسط والتقتير (لِمَنْ نُرِيدُ) أي : أن نفعل به ذلك فقيد تعالى الأمر بقيدين أحدهما تقييد المعجل بإرادته ومشيئته. والثاني : تقييد المعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثير منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة.
تنبيه : لمن نريد بدل بعض من كل من الضمير في له بإعادة العامل تقديره لمن نريد تعجيله له ويقال إنّ الآية في المنافقين كانوا يراؤون المسلمين ويقرؤون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها وهذا هو المناسب لقوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها) أي : في الآخرة (مَذْمُوماً) أي : مفعولا به الذم (مَدْحُوراً) أي : مدفوعا مطرودا مبعدا وإن ذكره البيضاوي بصيغة قيل.
ثم ذكر تعالى القسم الثاني وشرط فيه ثلاثة شروط : الأوّل : قوله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) أي : أراد بعمله ثواب الآخرة فإنه إن لم ينو ذلك لم ينتفع بذلك العمل لقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم ، ٣٩]. وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما الأعمال بالنيات» (٢). الثاني : قوله تعالى : (وَسَعى لَها سَعْيَها) وذلك يقتضي أن يكون ذلك العمل من باب القرب والطاعات وكثير من الضلال يتقرّبون بعبادة الأوثان ولهم فيها تأويلات ، أحدها أنهم يقولون إله العالم أجل وأعظم من أن يقدر الواحد منا على إظهار عبوديته وخدمته ولكن غاية قدرتنا أن نشتغل بعبادة بعض المقرّبين من عباد الله بأن يشتغل بعبادة كوكب أو ملك من الملائكة ثم إن الملك أو الكوكب يشتغل بعبادة الله تعالى فهؤلاء يتقرّبون إلى الله تعالى بهذا الطريق وهذه طريقة فاسدة فلا جرم أنه لم ينتفع بها. ثانيها أنهم قالوا اتخذنا هذه التماثيل على صورة الأنبياء والأولياء والمراد من عبادتها أن تصير تلك الأنبياء والأولياء شفعاء لنا عند الله وهذا الطريق أيضا فاسد فلا جرم لم ينتفع بها. ثالثها : أنه نقل عن أهل الهند أنهم يتقرّبون إلى الله بقتل أنفسهم تارة وبإحراق أنفسهم أخرى وهذه الطريقة أيضا فاسدة فلا جرم لم ينتفع بها. وكذا القول في جميع الفرق المبطلين الذين يتقرّبون إلى الله تعالى بمذاهبهم الباطلة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ١٥ / ٤٤ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ / ٧١.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه.