إلى الحمرة ، وقوله : ليس فيها علم لأحد يعني : ليس فيها علامة لأحد لتبديل هيئتها وصفتها وزوال جبالها وجميع بنائها ، فلا يبقى فيها أثر يستدلّ به. وعن ابن مسعود أنه قال : تبدل الأرض بأرض كالفضة البيضاء نقية لم يسفك فيها دم ، ولم تعمل عليها خطيئة. وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه : الأرض من فضة والسماء من ذهب. وقال محمد بن كعب وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه. وعن الضحاك أيضا : من فضة كالصحائف. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال : «على الصراط» (١). أخرجه مسلم. وروى ثوبان أنّ حبرا من اليهود سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أين تكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال : «هم في الظلمة دون الجسر» (٢). قال الرازي : واعلم أنه لا يبعد أن يقال : المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم والسموات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين ، ١٨]. وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) [المطففين ، ٧]. (وَبَرَزُوا ،) أي : خرجوا من قبورهم (لِلَّهِ ،) أي : لحكمه والوقوف بين يديه تعالى للحساب (الْواحِدِ ،) أي : الذي لا شريك له (الْقَهَّارِ ،) أي : الذي لا يدافعه شيء عن مراده كما قال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر ، ١٦].
ولما وصف نفسه سبحانه وتعالى بكونه قهارا بين عجزهم وذلتهم بقوله تعالى : (وَتَرَى) يا محمد ، أي : تبصر (الْمُجْرِمِينَ ،) أي : الكافرين (يَوْمَئِذٍ ،) أي : يوم القيامة ، ثم ذكر تعالى من صفات عجزهم وذلتهم أمورا : الصفة الأولى : قوله تعالى : (مُقَرَّنِينَ ،) أي : مشدودين (فِي الْأَصْفادِ) جمع صفد وهو القيد. قال الكلبي : كل كافر مع شيطان في غل. وقال عطاء : وهو معنى قوله تعالى : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) [التكوير ، ٧] ، أي : قرنت فتقرن نفوس المؤمنين بنفوس الحور العين ، ونفوس الكافرين بقرنائهم من الشياطين ، وقيل : هو قرن بعض الكفار ببعض فتضم تلك النفوس الشقية والأرواح الكدرة الظلمانية بعضها إلى بعض لكونها متشاكلة متجانسة ، وتنادى ظلمة كل واحدة منها إلى الأخرى. وقال ابن زيد : قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال.
الصفة الثانية : قوله تعالى : (سَرابِيلُهُمْ ،) أي : قمصهم جمع سربال وهو القميص (مِنْ قَطِرانٍ) وهو شيء يتحالب من شجر يسمى الأبهل ، فيطبخ وتطلى به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحرارته وحدته ، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف ، ومن شأنه أنه يتسارع فيه اشتعال النار ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فتطلى به جلود أهل النار حتى يصير ذلك الطلاء كالسرابيل ، فيحصل بسببها أربعة أنواع من العذاب : لذع القطران ، وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، وأيضا التفاوت بين قطران القيامة وقطران الدنيا كالتفاوت بين النارين.
الصفة الثالثة : قوله تعالى : (وَتَغْشى ،) أي : تعلو (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) ونظيره قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) [الزمر ، ٢٤]. وقوله تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ)
__________________
(١) أخرجه مسلم في القيامة حديث ٢٧٩١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣١٢١ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٧٩.
(٢) أخرجه مسلم في الحيض حديث ٣١٥.