الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢))
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ؛) لأنّ الغفلة معنى يمنع الإنسان عن الوقوف على حقائق الأمور ، وقيل : حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ، وهذا في حق الله تعالى محال ، والمقصود من ذلك التنبيه على أنه ينتقم للمظلوم من الظالم ، ففيه وعيد وتهديد للظالم ، وإعلام له بأنه لا يعامله معاملة الغافل عنه بل ينتقم ولا يتركه مغفلا عنه ، وعن سفيان بن عيينة فيه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ، فقيل له : من قال هذا؟ فغضب ، وقال : إنما قاله من علمه.
فإن قيل : كيف يليق به صلىاللهعليهوسلم أن يحسب الله موصوفا بالغفلة وهو أعلم الناس به؟ أجيب : بوجوه : الأوّل : أنّ المراد به التثبت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا كقوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [القصص ، ٨٨]. والثاني : أنّ المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظلم. والثالث : أنّ المراد ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير. والرابع : أن يكون هذا الكلام وإن كان خطابا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الظاهر إلا أنه يكون في الحقيقة خطابا مع الأمّة. ثم بيّن تعالى أنه (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ،) أي : عذابهم (لِيَوْمٍ) موصوف بخمس صفات الصفة الأولى : قوله تعالى : (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ،) أي : أبصارهم لا تقرّ مكانها من هول ما ترى في ذلك اليوم.
الصفة الثانية : قوله تعالى : (مُهْطِعِينَ ،) أي : مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم لا يطرقون هيبة وخوفا. وقيل : المهطع الخاضع الذليل الساكن.
الصفة الثالثة : قوله تعالى : (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ ،) أي : رافعيها إذ الإقناع : رفع الرأس إلى فوق ، فأهل الموقف من صفتهم أنهم رافعوا رؤوسهم إلى السماء ، وهذا بخلاف المعتاد ؛ لأنّ من يتوقع البلاء يطرق بصره إلى الأرض. وقال الحسن : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.
الصفة الرابعة : قوله تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ،) أي : بل تثبت عيونهم شاخصة لا يطرفون بعيونهم ، ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان قد شغلهم ما بين أيديهم.
الصفة الخامسة : قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ ،) أي : قلوبهم (هَواءٌ ،) أي : خالية من العقل لفرط الحيرة والدهشة. وقال قتادة : خرجت قلوبهم عن صدورهم ، فصارت في حناجرهم ، فلا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها.
تنبيه : اختلفوا في وقت حصول هذه الصفات ، فقيل : إنها عند المحاسبة بدليل أنه تعالى إنما ذكر هذه الصفات عقب وصف ذلك بأنه يقوم الحساب ، وقيل : إنها تحصل عند ما يتميز فريق عن فريق ، فالسعداء يذهبون إلى الجنة والأشقياء إلى النار. وقيل : يحصل عند إجابة الداعي والقيام من