والتصريح قال : (إِنَّ رَبِّي ،) أي : المحسن إليّ (لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ،) أي : لمجيبه. فإن قيل : الله تعالى يسمع كل دعاء أجابه أو لم يجبه؟ أجيب : بأن هذا من قولك : سمع الملك كلامي إذا اعتدّ به وقبله ، ومنه سمع الله لمن حمده.
المطلوب الخامس : قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ،) أي : معدّلا لها مواظبا عليها.
تنبيه : في الآية دليل على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ؛ لأنّ قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) يدل على أنّ ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله تعالى. وقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) يدل على أنّ فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله تعالى ، وذلك تصريح بأنّ إبراهيم عليهالسلام كان مصرا على أنّ الكل من الله تعالى ، وقوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على المنصوب في اجعلني ، أي : واجعل بعض ذريتي كذلك ؛ لأن كلمة من في قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) للتبعيض ، وأما ذكر هذا التبعيض ، فلأنه علم بإعلام الله تعالى أنه يكون في ذرّيته جمع من الكفار وذلك قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة ، ١٢٤].
المطلوب السادس : أنه عليهالسلام لما دعا الله تعالى في المطالب المذكورة دعا الله تعالى في أن يقبل دعاءه فقال : (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ.) قال ابن عباس : يريد عبادتي بدليل قوله تعالى : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم ، ٤٨]. وقيل : دعائي المذكور.
المطلوب السابع قوله : (رَبَّنَا ،) أي : أيها المالك لأمورنا المدبر لنا (اغْفِرْ لِي) فإن قيل : إنّ طلب المغفرة إنما يكون بعد سابقة ذنب أجيب : بأن المقصود من ذلك الالتجاء إلى الله تعالى ، وقطع الطمع إلا من فضله وكرمه ورحمته ، ثم أشرك معه أقرب الناس إليه وأحقهم بشكره فقال : (وَلِوالِدَيَ) فإن قيل : كيف جاز أن يستغفر لوالديه وكانا كافرين؟ أجيب بوجوه : الأول : أنّ المنع منه لا يعلم إلا بتوقيف ، فلعله لم يجد منه منعا وظنّ كونه جائزا ، الثاني : أراد بوالديه آدم وحواء ، الثالث : كان ذلك بشرط الإسلام ، وقال بعضهم : كانت أمّه مؤمنة ولذلك خص أباه بالذكر في قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة ، ١١٤]. ثم دعا لمن تبعه في الدين من ذريته وغيرهم بقوله (وَلِلْمُؤْمِنِينَ ،) أي : العريقين في هذا الوصف (يَوْمَ يَقُومُ ،) أي : يبدو ويظهر (الْحِسابُ) وقيل : أراد يوم يقوم الناس فيه للحساب ، فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما عند السامع ، وهذا دعاء للمؤمنين بالمغفرة ، والله تعالى لا يردّ دعاء خليله إبراهيم عليهالسلام ، وفيه بشارة عظيمة للمؤمنين بالمغفرة ، فنسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولأحبابنا ولمن نظر في هذا التفسير ، ودعا لمن كان سببا فيه بالمغفرة.
ولما بيّن تعالى دلائل التوحيد ، ثم حكى عن إبراهيم عليهالسلام أنه طلب من الله تعالى أن يصونه عن الشرك ، وطلب منه أن يوفقه للأعمال الصالحة ، وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة عقبه بقوله تعالى مخاطبة لنبيه صلىاللهعليهوسلم :
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ