اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) فيقال له : على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته ، وإن كان من أهل الشك قال : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيقال له : على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث ، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئا ، فتنهشه وتؤمر الأرض فتنضم عليه حتى تختلف أضلاعه» (١). فنسأل الله الثبات لنا ولوالدينا ولأحبابنا في الدنيا والآخرة إنه كريم جواد. ثم إنه تعالى عاد إلى وصف الكافرين فقال :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
(أَلَمْ تَرَ ،) أي : تنظر ، وفي المخاطب ما تقدّم (إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا) والتبديل جعل الشيء مكان غيره (نِعْمَتَ اللهِ ،) أي : التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد ومن جميع النعم الدنيوية وتيسير الرزق وغير ذلك بأن جعلوا مكان شكرها (كُفْراً) وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان ، وأعلاهم همما في الوفاء وأبعدهم عن الجفاء (وَأَحَلُّوا ،) أي : أنزلوا (قَوْمَهُمْ ،) أي : الذين تابعوهم في الكفر بإضلالهم إياهم (دارَ الْبَوارِ ،) أي : الهلاك مع إدعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلا عن الأهل. روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة ، وقوله تعالى : (جَهَنَّمَ) عطف بيان (يَصْلَوْنَها ،) أي : يدخلونها (وَبِئْسَ الْقَرارُ ،) أي : المقر هي.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ ،) أي : الذين يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا رزقهم ؛ لأنّ له الكمال كله (أَنْداداً ،) أي : شركاء ، وقوله تعالى : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ،) أي : دين الإسلام ، فيه قراءتان : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من ضلّ يضلّ والباقون بضم الياء من أضل يضل ، وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض. ولما حكى الله تعالى
__________________
(١) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٣ / ٤٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٨٠ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٤١٣ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٣٧٠.