وحسراتها وفنون آلامها وأسقامها وأنواع همومها وغمومها ؛ لأنّ السّلام مشتق من السلامة.
ولما شرح سبحانه تعالى أحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء ذكر مثلا يبين الحال في حكم هذين القسمين بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ ،) أي : تنظر ، والخطاب يحتمل أن يكون للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ويدخل معه غيره ، وأن يكون لكل فرد من الناس ، أي : ألم تر أيها الإنسان (كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ ،) أي : المحيط بكل شيء علما وقدرة (مَثَلاً) سيره بحيث يعم نفعه ، والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأوّل ، ثم بينه بقوله تعالى : (كَلِمَةً طَيِّبَةً) قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هي لا إله إلا الله. (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) قال ابن مسعود وأنس : هي النخلة. وعن ابن عباس : هي شجرة في الجنة. وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم : «إنّ الله تعالى ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبروني ما هي؟ قال عبد الله : فوقع الناس في شجر البوادي وكنت صبيا فوقع في قلبي أنها النخلة ، فهبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أقولها وأنا صغير القوم». وروي : فمنعني مكان عمر فاستحييت فقال له عمر : يا بنيّ لو كنت قلتها لكانت أحب إليّ من حمر النعم ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا إنها النخلة» (١). قيل : الحكمة في تشبيه الإنسان بالنخلة من بين سائر الأشجار أنّ النخلة أشبه به من حيث إنها إذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار يتشعب من جوانبها بعد قطع رأسها ، وأنها تشبه الإنسان بحيث إنها لا تحمل إلا باللقاح ؛ لأنّها خلقت من فضلة طينة آدم عليهالسلام ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «أكرموا عمتكم قيل : ومن عمتنا؟ قال : النخلة» (٢). (أَصْلُها ثابِتٌ ،) أي : في الأرض (وَفَرْعُها ،) أي : غصنها (فِي السَّماءِ ،) أي : في جهة العلو والصعود ولم يرد المظلة كقولك في الجبل : طويل في السماء تريد ارتفاعه وشموخه. (تُؤْتِي ،) أي : تعطي. (أُكُلَها ،) أي : ثمرها (كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ،) أي : بإرادته ، والحين في اللغة الوقت يطلق على القليل والكثير ، واختلفوا في مقدار هذا ، فقال مجاهد : الحين هنا سنة كاملة ؛ لأنّ النخلة تثمر في كل سنة مرّة. وقال قتادة : ستة أشهر يعني من حين طلعها إلى وقت صرامها. وقال الربيع : كل حين يعني كل غدوة وعشية ؛ لأنّ ثمر النخل يؤكل ليلا ونهارا وصيفا وشتاء ، فيؤكل منها الجمار والطلع والبلح والخلال والبسر والمنصف والرطب ، وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى حين الطري الرطب ، فأكلها دائم في كل وقت.
قال العلماء : ووجه الحكمة في تمثيل كلمة الإخلاص بالشجرة ؛ لأنّ الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبوت أصل هذه الشجرة في الأرض ، وعمله يصعد إلى السماء كما قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر ، ١٠] فكذلك فرع هذه عال في السماء ، وتنال بركته وثوابه كل وقت ، والمؤمن كلما قال : لا إله إلا الله ، صعدت إلى السماء ، وجاءه بركتها وخيرها وثوابها ومنفعتها ؛ ولأنّ الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم ، وفرع عال ، كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق القلب ، وقول اللسان ، وعمل الأبدان ، ثم نبه
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم باب ٤ ، ٥ ، ٥٠ ، وتفسير سورة ١٤ ، باب ١ ، والأدب باب ٨٩ ، ومسلم في المنافقين حديث ٦١ ، ٦٢ ، ٦٤ ، والترمذي في الأدب باب ٧٩ ، ٨٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٦١ ، ٩١ ، ١٢٣ ، ١٥٧.
(٢) أخرجه العقيلي في الضعفاء ٤ / ٢٥٦ ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٦ / ٢٤٢٤ ، وابن الجوزي في الموضوعات ١ / ١٨٤ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٢ / ٦٦.