أصلها السكون ، فلما التقيا كسرت لالتقاء الساكنين. قال البيضاوي : وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع حركة ياء الإضافة اه. فقوله : أصل مرفوض ، أي : متروك عند النحاة ، وإلا فهو قراءة متواترة عند القراء ، فيجب المصير إليها ؛ لأنها وردت من رب العالمين على لسان سيد المرسلين.
وقول الفراء : ولعلها من وهم القراء ، فإنه قلّ من سلم منهم من الوهم ممنوع ، فقد قال أبو حيان : هي قراءة متواترة نقلها السلف ، واقتفى آثارهم فيها الخلف ، فلا يجوز أن يقال فيها : إنها خطأ أو قبيحة أو رديئة ، وقد نقل جماعة من أهل اللغة أنها لغة لكن قلّ استعمالها ، ونص قطرب على أنها لغة في بني يربوع ، ونص على أنها صواب أبو عمرو بن العلاء لما سئل عنها ، والقاسم بن معن من رؤساء الكوفيين. قال الله تعالى حكاية عن الشيطان أنه قال : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي : كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم ، أي : في الدنيا كقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر ، ١٤] ومعنى كفره بإشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له ، كقوله تعالى : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) [الممتحنة ، ٤]. وروى البغوي بسنده عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حديث الشفاعة «يقول عيسى ذلك النبيّ الأمّي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني ، ويجعل فيّ نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون : ما هو غير الشيطان هو الذي أضلنا فيأتونه فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أضللتنا ، فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ، ثم يعظم لهبهم ويقول عند ذلك : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) الآية» (١).
قال في «الكشاف» : وقوله (إِنَّ الظَّالِمِينَ ،) أي : الكافرين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ،) أي : مؤلم من كلام الله تعالى ، ويحتمل أن يكون من جملة قول إبليس ، وإنما حكى الله تعالى ما سيقوله في ذلك الوقت ؛ ليكون لطفا للسامعين في النظر لعاقبتهم والاستعداد لما لا بدّ لهم من الوصول إليه ، وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول ، فيخافوا ويعلموا ما يخلصهم منه وينجيهم.
ولما بالغ سبحانه وتعالى في شرح حال الأشقياء من الوجوه الكثيرة شرح أحوال السعداء ، وما أعدّ لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل ، وذلك أنّ الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وكونها دائمة أشير إليها بقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) وهو حال مقدرة ، والتعظيم حصل لهم من وجهين : أحدهما : قوله تعالى : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ؛) لأنّ تلك المنافع إنما كانت تفضلا من الله تعالى وإنعاما. والثاني : قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ؛) لأنّ بعضهم يحيى بعضا بهذه الكلمة والملائكة يحيونهم بها كما قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ، ٢٤] والرب يحييهم أيضا بهذه التحية كما قال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس ، ٥٨] ويحتمل أن يكون المراد أنهم لما دخلوا الجنة سلموا من جميع آفات الدنيا
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٢٩٩٩.