عليهم الصلاة والسّلام ، فبدأ بذكر قصة موسى عليهالسلام فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا ،) أي : العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل والمنّ والسلوى وسائر معجزاته (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ،) أي : بني اسرائيل (مِنَ الظُّلُماتِ ،) أي : الكفر والضلال (إِلَى النُّورِ ،) أي : الإيمان والهدى.
تنبيه : يجوز أن تكون أن مصدرية ، أي : بأن أخرج ، والباء في بآياتنا للحال ، وهذه للتعدية ، ويجوز أن تكون مفسرة للرسالة بمعنى ، أي : ويكون المعنى ، أي : أخرج قومك من الظلمات ، أي : قلنا له أخرج قومك كقوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص ، ٦]. (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) قال ابن عباس : بنعم الله. وقال مقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة ، يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي : بوقائعهم ، وفي المثل من سرّ يوما يره. قال الرازي : معناه من رأى في يوم سروره بمصرع غيره رآه غيره في يوم آخر بمصرع نفسه ، وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران ، ١٤٠] والمعنى : عظهم بالترغيب ، والترهيب ، والوعد والوعيد ، والترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمنوا بالرسل فيما سلف من الأيام ، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأمر الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل فيما سلف من الأيام مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب ليرغبوا في الوعد ، فيصدّقوا ويحذروا من الوعيد ، فيتركوا التكذيب ، وقيل : بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب ، فخلصهم الله من ذلك وجعلهم ملوكا بعد أن كانوا مملوكين (إِنَّ فِي ذلِكَ ،) أي : التذكير العظيم (لَآياتٍ) على وحدانية الله تعالى وعظمته (لِكُلِّ صَبَّارٍ ،) أي : كثير الصبر على الطاعة وعن المعصية (شَكُورٍ ،) أي : كثير الشكر للنعم ، وإنما خص الصبور والشكور بالاعتبار بالآيات ، وإن كان فيها عبرة للكل ؛ لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات ، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة ، ٣] فإنّ الانتفاع لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابرا شاكرا أما من لا يكون كذلك فلا ينتفع بها البتة.
ولما أمر الله تعالى موسى أن يذكرهم بأيام الله حكى عنه أنه ذكرهم بها بقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وقوله : (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ظرف للنعمة بمعنى الإنعام ، أي : اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) بالاستعباد (وَيُذَبِّحُونَ ،) أي : تذبيحا كثيرا (أَبْناءَكُمْ ،) أي : المولودين (وَيَسْتَحْيُونَ ،) أي : يستبقون (نِساءَكُمْ) أحياء وذلك كقول بعض الكهنة إنّ مولودا يولد في بني اسرائيل يكون سبب زوال ملك فرعون.
فإن قيل : لم ذكر تعالى في سورة البقرة (يُذَبِّحُونَ) بغير واو وذكره هنا مع الواو؟ أجيب : بأنها إنما حذفت في سورة البقرة ؛ لأنها تفسير لقوله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو ، وهنا أدخل الواو فيه ؛ لأنه نوع آخر لأنهم كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح فليس تفسيرا للعذاب (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ ،) أي : إنعام وابتلاء (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) لأنّ الابتلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعا ، ومنه قوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء ، ٣٥]. فإن قيل : تذبيح الأبناء فيه بلاء ، وأمّا استحياء النساء فكيف فيه ابتلاء؟ أجيب : بأنهم كانوا يستحيونهن ويتركونهنّ تحت أيديهم كالإماء ، فكان ذلك ابتلاء.