مملوك لله تعالى ؛ لأنه من جملة ما في السموات وما في الأرض ، وويل مبتدأ ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء كسلام عليكم وللكافرين خبره ، وقوله تعالى : (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ ،) أي : يعذبهم في الآخرة متعلق بويل ولا يضر الفصل بالخبر.
ثم وصفهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ،) أي : يختارون (الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ،) أي : يؤثرونها عليها (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ،) أي : يمنعون الناس عن قبول دين الله (وَيَبْغُونَها ،) أي : السبيل (عِوَجاً ،) أي : معوجة والأصل ويبغون لها زيغا وميلا ، فحذف الجار ، وأوصل الفعل إلى الضمير (أُولئِكَ ،) أي : الموصوفون بهذه الصفات (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ،) أي : عن الحق وإسناد البعد إلى الضلال إسناد مجازي ؛ لأنّ البعيد هم الضلال بميلهم عن الباقي إلى الفاني.
ثم ذكر ما يجري مجرى تكميل النعمة والإحسان في الوجهين بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ ،) أي : في زمن من الأزمان (إِلَّا بِلِسانِ ،) أي : لغة (قَوْمِهِ) أمّا بالنسبة إلى الرسول ؛ فلأنه تعالى بين أنّ سائر الأنبياء كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة ، وأما أنت يا محمد فمبعوث إلى عامة البشر ، وكان هذا الإنعام في حقك أكمل وأفضل ، وأمّا بالنسبة إلى عامّة الخلق ، فهو أنه تعالى ذكر أنه ما بعث رسولا إلا بلسان أولئك القوم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ما أمروا به فيفهموه عنه بيسر وسرعة ؛ لأنّ ذلك أسهل لفهم أسرار تلك الشريعة ، والوقوف على حقائقها وأبعد عن الغلط والخطأ.
تنبيه : تمسك طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية بهذه الآية على أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يرسل لغير العرب من وجهين :
الأوّل : أن القرآن لما كان نازلا بلغة العرب لم يعرف كونه معجزة بسبب ما فيه من الفصاحة إلا العرب ، وحينئذ لا يكون القرآن حجة إلا عليهم. الثاني : أنّ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم ، ٤] المراد بذلك اللسان لسان العرب ، وذلك يدل على أنه مبعوث إلى العرب فقط.
وردّ عليهم بأنّ المراد بالقوم أهل دعوته والدليل على عموم الدعوة قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف ، ١٥٨] بل إلى الثقلين ؛ لأنّ التحدي كما وقع مع الإنس وقع مع الجنّ بدليل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء ، ٨٨]. ثم بيّن سبحانه وتعالى أنّ الإضلال والهداية بمشيئته بقوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) إضلاله (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته ، فإنه تعالى هو المضل الهادي ، وليس على الرسل إلا التبليغ والبيان والله تعالى هو الهادي المضل يفعل ما يشاء (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه ، فلا رادّ له عن مشيئته (الْحَكِيمُ) في صنعه فلا يهدي ولا يضل إلا لحكمة.
ولما بين تعالى أنه إنما أرسل محمدا عليه الصلاة والسّلام إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم ، وكيفية معاملة أقوامهم لهم ليكون ذلك تصبيرا له صلىاللهعليهوسلم على أذى قومه وإرشادا له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم ، فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء