مقامه ، أي : بدا لهم السجن ، فحذف وأقيمت الجملة مقامه ، وليست الجملة فاعلا ؛ لأن الجمل لا تكون كذلك ، وقيل : الحبس هنا خمس سنين ، وقيل : سبع سنين.
وقال مقاتل بن سليمان : حبس يوسف اثنتي عشرة سنة ، وقال الرازي : والصحيح أنّ هذه المقادير غير معلومة ، وإنما القدر المعلوم أنه بقي مسجونا مدّة طويلة لقوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف ، ٤٥] وعن عكرمة قال : قال رجل ذو رأي للعزيز : متى تركت هذا العبد يعتذر إلى الناس ، ويقص عليهم أمره فاتركه في بيتها لا يخرج إلى الناس فإن خرج للناس عذروه وفضحوا أهلك فأمر به فسجن.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) وهما غلامان كانا للوليد بن نزوان العمليقي ملك مصر الأكبر أحدهما خبازه صاحب طعامه ، والآخر ساقيه صاحب شرابه غضب الملك عليهما فحبسهما وكان السبب فيه أنّ جماعة من أشراف مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله وقتله ، فضمنوا لهذين الغلامين مالا على أن يسما الملك في طعامه وشرابه فأجابا إلى ذلك ثم إنّ الساقي ندم ورجع عن ذلك ، وقبل الخباز الرشوة وسم الطعام فلما حضر الطعام بين يدي الملك قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإنّ الطعام مسموم فقال الخباز : لا تشرب فإنّ الشراب مسموم. فقال الملك للساقي اشرب فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل من طعامك فأبى فأطعم من ذلك الطعام دابة فهلكت ، فأمر بحبسهما ، وكان يوسف عليهالسلام حين دخل السجن قال لأهله : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلم فلنجرّب هذا العبد العبراني فنتراءى له رؤيا. قال ابن مسعود : وما رأيا شيئا وإنما تحالما ليجربا يوسف وقال قوم : بل كانا رأيا حقيقة فرآهما يوسف وهما مهمومان فسألهما عن شأنهما فذكر أنهما صاحبا الملك حبسهما وقد رأيا رؤيا غمتهما ، فقال يوسف : قصا عليّ ما رأيتما (قالَ أَحَدُهُما) وهو صاحب شراب الملك (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً.) فإن قيل : كيف يعقل عصر الخمر؟ أجيب : عن ذلك بثلاثة أقوال :
أحدها : أن يكون المعنى : أعصر عنب خمر ، أي : العنب الذي يكون عصيره خمرا فحذف المضاف.
الثاني : أن العرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه تقول : فلان يطبخ دبسا وهو يطبخ عصيرا.
الثالث : قال أبو صالح : أزد وعمان يسمون العنب بالخمر فوقعت هذه اللفظة إلى أهل مكة فنطقوا بها. قال الضحاك : نزل القرآن بألسنة جميع العرب وذلك أنه قال : إني رأيت في المنام كأني في بستان وإذا فيه شجرة فيها ثلاثة أغصان عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه ، وسقيت الملك فشربه (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) وذلك أنه قال : رأيت في المنام كأنّ فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الطعام وسباع الطير تنهش منه (نَبِّئْنا ،) أي : أخبرنا (بِتَأْوِيلِهِ ،) أي : بتفسيره (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ،) أي : في علم التفسير ؛ لأنه متى عبر لم يخطئ كما قال : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) [يوسف ، ١٠١] وقيل : في أمر الدين ؛ لأنه كان شديد المواظبة على الطاعات من الصوم والصلاة ، فإنه كان يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ومن كان كذلك فإنه يوثق بما يقوله في تعبير الرؤيا وفي سائر الأمور ، وقيل : في حق الشركاء والأصحاب ؛ لأنه كان يعود مرضاهم ويؤنس حزينهم ، وإذا ضاق