اللاتي عيرنها بحب يوسف عليهالسلام (وَآتَتْ ،) أي : أعطت (كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ،) أي : لتأكل بها ، وكانت عادتهنّ أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين (وَقالَتِ) زليخا ليوسف عليهالسلام (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ،) أي : النسوة ، وكان يخاف من مخالفتها فخرج عليهنّ يوسف وكانت قد زينته واختبأته في مكان.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بكسر التاء في الوصل ، والباقون بالضم ، وأمّا الابتداء فجميع القراء يبتدؤون الهمزة بالضم (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ ،) أي : النسوة (أَكْبَرْنَهُ ،) أي : أعظمنه ودهشن عند رؤيته ، واتفق الأكثرون على أنهنّ إنما أكبرنه بمحبتهنّ الجمال الفائق ، والحسن الكامل وكان يوسف قد أعطي شطر الحسن ، وقال عكرمة : كان فضل يوسف في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت يوسف ليلة أسري بي إلى السماء كالقمر ليلة البدر» (١) ذكره البغويّ بغير سند ، وقال ابن إسحاق : كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يتلألأ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس من الماء عليها ويقال : إنه ورث حسن آدم عليهالسلام يوم خلقه الله تعالى قبل أن يخرج من الجنة ، وقيل : ورث الجمال من جدّته سارة ، وقيل : أكبرنه يعني حضن ، والهاء للسكت يقال : أكبرت المرأة إذا حاضت ، وحقيقته دخلت في الكبر ؛ لأنها بالحيض تخرج من حدّ الصغر إلى حدّ الكبر ، وكأنّ أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله (٢) :
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع |
|
فإن لحت حاضت في الخدور العواتق |
وقيل : أمنين قال الكميت (٣) :
ولما رأته الخيل من رأس شاهق |
|
صهلن وأمنين المنيّ المدفقا |
وقال الرازي : إنما أكبرنه ؛ لأنهنّ رأين عليه نور النبوّة وسيما الرسالة ، وآثار الخضوع والإخبات وشاهدن فيه شهادة الهيبة ، وهيبة ملكية وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح وعدم الاعتداد بهنّ ، وكان الجمال العظيم مقرونا بتلك الهيبة ، فوقع الرعب والمهابة منه في قلوبهنّ. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ،) أي : جرحنها بالسكاكين التي معهنّ ، وهنّ يحسبن أنهنّ يقطعنّ الأترج ، ولم يجدن الألم من فرط الدهشة بيوسف ، وقال وهب : مات جماعة منهنّ (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ،) أي : تنزيها له ، الرسم بغير ألف بعد الشين.
وقرأ أبو عمرو في الوصل دون الوقف بألف بعد الشين والباقون بغير ألف وقفا ووصلا (ما هذا ،) أي : يوسف عليهالسلام (بَشَراً) وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدمى الحجازية ويدل عليها هذه الآية وقوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة ، ٢](إِنْ ،) أي : ما (هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ،) أي : على الله لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في النسمة البشرية ، فإنّ الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة.
(قالَتْ ،) أي : زليخا للنسوة لما رأين يوسف ودهشن عند رؤيته (فَذلِكُنَّ ،) أي : فهذا هو
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٣٢٤٠٩.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ١٢٢ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.