حافر» (١) يعني بالنضل الرمي ، وقيل : العدو لنتبين أينا أسرع عدوا (وَتَرَكْنا يُوسُفَ) أخانا (عِنْدَ مَتاعِنا ،) أي : ما كان معنا مما نحتاج إليه في ذلك الوقت من ثياب وزاد ونحو ذلك (فَأَكَلَهُ ،) أي : فتسبب عن انفراده أن أكله (الذِّئْبُ وَما ،) أي : والحال أنك ما (أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ ،) أي : صدّق لما علموا أنه لا يصدّقهم بغير أمارة (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) في هذه القصة لمحبة يوسف عندك فكيف وأنت تسيء الظنّ بنا؟ وقيل : لا تصدّقنا ؛ لأنه لا دليل لنا على صدقنا وإن كنا صادقين عند الله تعالى.
(وَ) لما علموا أنه لا يصدّقهم بغير أمارة (جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ ،) أي : يوسف عليهالسلام (بِدَمٍ كَذِبٍ) قال الفراء : أي : مكذوب فيه إلا أنه وصفه بالمصدر على تقدير : ذي كذب أو مكذوب أطلق على المصدر مبالغة ؛ لأنه غير مطابق للواقع ؛ لأنهم ادّعوا أنه دم يوسف عليهالسلام والواقع أنه دم سخلة ذبحوها ولطخوا القميص بذلك الدم. قال القاضي : ولعلّ غرضهم في نزع قميصه عند إلقائه في غيابة الجب أن يفعلوا هذا توكيدا لصدقهم إذ يبعد أن يفعلوا ذلك طمعا في نفس القميص ولا بدّ في المعصية من أن يقترن بها الخذلان ، فلو خرقوه مع لطخه بالدم لكان الاتهام أقوى فلما شاهد يعقوب عليهالسلام القميص صحيحا علم كذبهم ، روي أنّ يعقوب عليهالسلام أخذ القميص منهم ، وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق قميصه.
تنبيه : على قميصه محله النصب على الظرفية كأنه قيل : وجاؤوا فوق قميصه بدم كما تقول :
جاء على جماله بأحماله ، ولا يصح أن يكون حالا متقدّمة ؛ لأنّ حال المجرور لا يتقدّم عليه. قال الشعبي : قصة يوسف كلها في قميصه ، وذلك أنهم لما ألقوه في الجب نزعوا قميصه ولطخوه بالدم وعرضوه على أبيه ولما شهد الشاهد قال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) [يوسف ، ٢٦] ولما أتى بقميصه إلى يعقوب وألقي على وجهه ارتدّ بصيرا.
ثم ذكر تعالى أنّ إخوة يوسف لما ذكروا ذلك الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم (قالَ) يعقوب عليهالسلام (بَلْ سَوَّلَتْ ،) أي : زينت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ففعلتموه به ، واختلف في السبب الذي عرف به كونهم كاذبين على وجوه : الأوّل : أنه كان يعرف الحسد الشديد في قلوبهم. الثاني : كان عالما بأنه حيّ ؛ لأنه عليهالسلام قال ليوسف : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) [يوسف ، ٦] وذلك دليل على كذبهم في ذلك القول ، الثالث : أنه لما رأى قميصه صحيحا قال : كذبتم لو أكله الذئب لخرق ثوبه ، وقيل : إنه لما قال ذلك قال بعضهم : بل قتله اللصوص فقال : كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله فلما اختلفت أقوالهم عرف بسبب ذلك كذبهم وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) مرفوع بالابتداء لكونه موصوفا ، وخبره محذوف والتقدير : فصبر جميل أولى من الجزع ، ومنهم من أضمر المبتدأ قال الخليل : الذي أفعله صبر جميل وقال قطرب : معناه فصبري صبر جميل. وقال الفراء : فهو صبر جميل. وعن الحسن أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن الصبر الجميل؟ فقال : «صبر لا شكوى فيه فمن بث لم يصبر كما قال يعقوب (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي
__________________
(١) أخرجه أبو داود حديث ٢٥٧٤ ، والترمذي حديث ٢٢ ، وابن ماجه حديث ٤٤ ، ٢٨٧٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥٦ ، ٣٥٨ ، ٤٧٤.