إلى واحد منهم واستغاث به يضربه فلم ير منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح يا أبتاه ويا يعقوب لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وجعل يبكي بكاء شديدا ، فأخذه روبيل فجلد به الأرض ، ثم جلس على صدره وأراد قتله فقال له : مهلا يا أخي لا تقتلني فقال له : يا ابن راحيل أنت صاحب الأحلام الكاذبة قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ، ولوى عنقه ، فاستغاث يوسف بيهوذا ، وقال له : اتق الله فيّ وحل بيني وبين من يريد قتلي فأدركته رحمة ورقة ، فقال يهوذا : يا إخوتاه ما على هذا عاهدتموني ، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه ، فجاؤوا به على بئر على غير الطريق واسع الأسفل ضيق الرأس ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ردّوا عليّ قميصي أستتر به في الجب فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تخلصك وتؤنسك فقال : إني لم أر شيئا فألقوه فيها ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة كانت في البئر فقام عليها فنادوه فظنّ أنها رحمة أدركته فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه ، فمنعهم يهوذا من ذلك وكان يهوذا يأتيه بالطعام وبقي فيها ثلاث ليال.
(وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) في الجب في صغره وهو ابن سبع عشرة سنة أو دونها كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهماالسلام في صغرهما ، وفي القصص أنّ إبراهيم عليهالسلام حين ألقي في النار جرّد عن ثيابه فأتاه جبريل عليهالسلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ودفعه إبراهيم عليهالسلام إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب ، فجعله يعقوب في تميمة علقها بيوسف فأخرجها جبريل وألبسه إياها (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ ،) أي : لتخبرنهم بعد هذا اليوم (بِأَمْرِهِمْ ،) أي : بصنعهم (هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ،) أي : أنك يوسف لعلوّ شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير للهيئات كما قال تعالى : (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [يوسف ، ٥٨] والمقصود من ذلك تقوية قلبه وأنه سيخلص مما هو فيه من المحنة ، ويصير مستوليا عليهم ، ويصيرون تحت أمره ونهيه وقهره. روي أنهم لما دخلوا عليه لطلب الحنطة عرفهم وهم له منكرون ودعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنّ فقال : إنه ليخبرني هذا الجام إنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له : يوسف فطرحتموه وقلتم لأبيكم : أكله الذئب ، وقيل : لا يشعرون بإيحائنا إليك وأنت في البئر بأنك ستخبرهم بصنيعهم هذا ، والفائدة في إخفاء ذلك الوحي عنهم أنهم لو عرفوه فربما ازداد حسدهم وكانوا يقصدون قتله ، وقيل : إنّ المراد من هذا الوحي الإلهام كما في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص ، ٧] وقوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل ، ٦٨](وَ) لما كان من المعلوم أنه ليس بعد هذا الفعل الذي فعلوه إلا الاعتذار (جاؤُ أَباهُمْ) دون يوسف (عِشاءً) في ظلمة الليل لئلا يتفرس أبوهم في وجوههم إذا رآها في ضياء النهار ضدّ ما جاؤوا به من الاعتذار وقد قيل : لا تطلب الحاجة في الليل فإنّ الحياء في العينين ولا تعتذر بالنهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار (يَبْكُونَ) والبكاء جريان الدمع من العين ، والآية تدل على أنه لا يدل على الصدق لاحتمال التصنع ، روي أنّ امرأة حاكمت إلى شريح فبكت فقال الشعبي : يا أبا أمية أما تراها تبكي فقال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة كذبة لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق فعند ذلك فزع يعقوب عليهالسلام فقال : هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا : لا. قال : فما فعل يوسف؟. (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) قال الزجاج : يسابق بعضنا بعضا في الرمي ، ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا سبق إلا في خف أو نصل أو