والثاني : قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم به ، وكان يعقوب عليهالسلام رأى في النوم أنّ الذئب شدّ على يوسف فكان يحذره فمن أجل هذا ذكر ذلك ، وكأنه لقنهم العلة ، وفي أمثال العرب البلاء موكل بالمنطق ، والمراد به الجنس ، وكانت أرضهم كثيرة الذئاب.
(قالُوا) مجيبين عن الثاني بما يلين الأب لإرساله مؤكدين لتطييب خاطره دالين على القسم بلامه (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ ،) أي : والحال أنّا (عُصْبَةٌ ،) أي : جماعة عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفى الخطوب ، وأجابوا عن القسم بما أغنى عن جواب الشرط بقولهم : (إِنَّا إِذاً ،) أي : إذا كان هذا (لَخاسِرُونَ ،) أي : كاملون في الخسارة ؛ لأنا إذا ضيّعنا أخانا فنحن لما سواه من أموالنا أشد تضييعا ، وأعرضوا عن جواب الأوّل ؛ لأن حقدهم وغيظهم كان بسبب العذر الأوّل وهو شدّة حبه له ، فلما سمعوا ذلك المعنى تغافلوا عنه وأقله أن يقولوا : ما وجه الشح بفراقه يوما والسماح بفراقنا كل يوم. وقرأ الذيب ورش والسوسي والكسائي بإبدال الهمزة ياء وقفا ووصلا ، وحمزة وقفا لا وصلا ، والباقون بالهمزة وقفا ووصلا. وقوله تعالى :
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) فيه إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلما ذهبوا به (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ،) أي : وعزموا على إلقائه فيها ولا بدّ من تقدير جواب ، وهو فجعلوه فيها وحذف الجواب في القرآن كثير بشرط أن يكون المذكور دليلا عليه وهنا كذلك ، قال وهب وغيره من أهل السير والأخبار : إن إخوة يوسف قالوا له : ما تشتاق أن تخرج معنا إلى مواشينا فتصيد وتستبق؟ قال : بلى. قالوا : فاسأل أباك أن يرسلك معنا قال يوسف : أفعل ، فدخلوا جميعا على أبيهم وقالوا : يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا إلى مواشينا ، فقال يعقوب : ما تقول يا بنيّ؟ قال : نعم يا أبت إني أرى من إخوتي اللين واللطف فأحب أن تأذن لي ، وكان يعقوب عليه الصلاة والسّلام يكره مفارقته ويحب مرضاته ، فأذن له فأرسله معهم ، فلما خرجوا من عند أبيهم جعلوا يحملونه على رقابهم وأبوهم ينظر إليهم ، فلما بعدوا عنه وصاروا إلى الصحراء ألقوه على الأرض وأظهروا له ما في أنفسهم من العداوة وأغلظوا له القول وجعلوا يضربونه فجعلوا كلما جاء