قال ابن عرفة : هذا نظير ما وقع في الغيبة فيمن عير برعاية الغنم ، فقال : رعى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال به مالك : إن قاله على سبيل التسلي أدّب ، وإن قاله على غير ذلك ضرب عنقه ، قلت : يريد أن يحتد به التنقيص.
قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها).
أورد الزمخشري سؤالا : اغتصاب الملك للسفن سبب لتعييب الخضر لهذه السفينة ، فهو مقدم عليه فلم أخر عنه؟ وأجاب : بأن السبب فيه أمران كونها للمساكين ولخشية الاغتصاب ، فوسط المسبب بين علتيه ؛ كقولك : زيد في ظني قائم.
قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بأن الحكم تارة يؤتى به مقرونا بعلته ، وتارة يؤتى به بسؤال محتاجا جوابا عنه فيؤخر العلة.
وهذا كما يقول السماكي : وهم [٥١ / ٢٤٦] وتنبيه ، وذلك أن ركوبها للمساكين ليس بعلة في إعابتها ؛ بل يتوهم أنه علة في العكس ، فيقول القائل : فلم أعابها وهي للمساكين؟ فيقال : خشية اغتصاب الملك لها.
وقال الطيبي : أخر العلة فيكون بيانا للسبب والارتباط الذي بين العلة وهي المسكنة ، وبين المعلول.
فقال ابن عرفة : بل هي جواب عن السؤال متوهم إيراده على جعل المسكنة سببا في إعابة السفينة.
فإن قلت : لم قال في السفينة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) ، وفي قتل الغلام (فَأَرَدْنا؟) فأجيب بأن الأول متعلق بالإعابة فأسندها إلى نفسه ، والثاني متعلق بتبديله بما هو خير منه فشرك غيره معه على سبيل التواضع والأدب.
قوله تعالى : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً).
قال ابن عرفة : يؤخذ من الآية أنه إذا تعارض احتمال يوهم نقص دين الإسلام مع تحقق حفظ النفس ، فقلت : احتمال يوهم نقص الدين ؛ لأن الخضر قتل الغلام باحتمال توهم أن يكفر إذا كبر ، ويكفر أبواه بسبب كفره.
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ).
الطلب من الأعلى للأدنى بأمر وعلته سؤال وخضوع ، فهذا سؤال حقيقة ويجيب على أن يكون قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) [سورة