إن قلت : ظلل النار عليهم لا لهم ، فالجواب : أنه استغنى عن على بكلمة فوق ، فلو أتى بعلى لكان تكراره أتى ....... (١) ليفيد اختصاصهم بعذاب العذاب العظيم ، وإدخال من على فوق ليفيد أول مواضع الفوقية ؛ فيشعر بكمال ملاصقة النار لهم من غير فاصل.
قوله تعالى : (مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).
جعلت النار ظله باعتبار أن لهيبها يصعد إلى فوق ؛ فيعلو عليهم ويصيرون تحته ، أو باعتبار أن النار تدور بهم كالكرة
فيصير الأعلى أسفل ؛ والأسفل أعلى ، فهي ظلة باعتبار ما كانت عليه فكل جهة منها فوقهم وتحتهم وفوق آخرين.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها).
قال الزمخشري : (الطَّاغُوتَ) مبالغة ؛ وقدر وجه المبالغة أنه إما مصدر المراد به الجنس ، فعبر فيه عن شخص معين ؛ وهو الشيطان أو غيره من معبوداتهم ، الثاني : فيه القلب ؛ لأن أصله طاغوت فصيرت اللام.
قال ابن عرفة : ليس في القلب مبالغة.
قوله تعالى : (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ).
قال ابن عرفة : عادتهم أنهم يقولون : الإنابة سبب في اجتناب الطاغوت ، والأصل تقديم السبب على مسببه ، فكان بعضهم يجيب : بأن الانتقال من الشيء لغيره لأحد وجهين :
إما لوصف في المنتقل عنه ونحوه.
قال ابن التلمساني في باب الأوامر في المسألة الثانية عشر في اعتراضه على مذهب : إلى أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده ؛ قد يكون مقصود الطالب أعلى الخبر الأول ؛ فيكون الطلب منه نهيا ، وقد يكون مقصوده إشغال الخبر الثاني فيكون الطلب فيه أمرا مقدر هنا ، السبب إشغال بأن اجتنابهم الطاغوت لمحض ما فيه من المفسدة الدائمة لا لكونهم رأوا الإنابة إلى الله أحسن منه ؛ إذ الاشتراك بينهما في الحسن بوجه ، فكان الابتداء به أهم وأولى.
قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى).
__________________
(١) بياض في المخطوطة.