عالما ، وآخر أنك تريد رجلا أخر مشاركا له في العلم ، بخلاف قولك رأيت رجلا
عالما وزيدا ، فأفاد الوصف بآخر لمشاركتهم لهم في الظلم ، قال : وكان بعض الطلبة
يرد بهذه الآية على ابن الخطيب في احتجاجه في المعالم على أن الواو لا تفيد
الترتيب بقول القائل : جاء زيد وعمرو بهذه ، وجاء زيد وعمرو قبله ، أو لو أفاد
الترتيب بقول القائل : لكان الأول تكرارا ، والثاني : تناقض فقد أتت هنا لفظة تجد
مع أن ثم للترتيب والمهلة ، فلم يبق إلا توكيدا ، قال : وتقدم الجواب بأن مهلة في
ثم على قسمين حسية ومعنوية ، فأفاد بعد احتمال إرادة المهلة المعنوية ، أو يجاب
بقول من دعم أن ثم كالواو فأفادت من بعد رفع إرادة ذلك الاحتمال ، أو يجاب بأن من
لا ولا رسم [٥٦ / ٢٧٢] أزمنة البعدية ، فأفادت طول المهلة لا قصرها ، قال : ومن
أريد بها أول أزمنة البعدية فتكون المهلة طويلة ، لأنها عبارة عما بين أول من هلك
منهم ، وأكثرهم هلاكا ، وإن كان أريد بها آخر أزمنة البعدية فالمهلة قصيرة بينها
وبين آخر القرون.
قوله تعالى : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما
يَسْتَأْخِرُونَ).
إن قلت : هلا
قيل وما يستأخرون.
قال ابن عرفة :
تقدم لنا الجواب من وجهين :
الأول : مراعاة
رءوس الآي ، الثاني : لو قيل وما يستأخرون ، لأفاد أن مجموع الأمة لا يستأخرون عن
آجالهم ، وما يلزم منه أن لا يتأخر بعضهم ، فعدل عنه إلى هذا التقييد ، أن كل واحد
منهم لا يتأخر عن أجله فيكون كليا [...] مع أن التقدم على الأجل مكروه للنفوس ،
والتأخر عنه محبوب لها من كل أحد ؛ لأن كل أحد يكره الموت ، فلذلك جمعهم ؛ لأن كل
أحد يحب أن يتأخر عن أجله ، فقيل لابن عرفة : قد قالت المعتزلة : إن المقتول له
أجلان.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ
هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ).
قال ابن عرفة :
يؤخذ من الآية صحة صدور المعجزة على غير يدي من تجرأ بها ، إنما الآية إنما تجرأ
بها موسى ، وقد صدرت على يدي موسى ويدي هارون ، فإما أن يكون هارون شريكا له فيؤخذ
منه جواز صدور المعجزة على يدي شخصين مشتركين فيها ، أو نقول أنها صدرت على يدي
موسى دلالة على صدقه في جميع ما جاء به موسى ، أن أخاه هارون نبي ، فتكون نبوة
هارون ثبتت بقول موسى أنه نبي ، مع ثبوت صدقه في مقالته ، ونبوة موسى ثبتت
بالمعجزة ورسالته ثبتت بالمعجزة ، قال ابن عطية : والآية هي اليد والعصا ، وسائر
آياته ، كالبحر ، والمرسلات الست.