ويقول : إن السلف أنفسهم لم يكونوا ينظرون إلى ما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال أو تصرفات ، هذه النظرة القدسية الجامدة التي تقتضيهم أن يسمروها بمسامير البقاء والخلود ، بل ساروا وراء ذلك مع ما تقتضيه علل الأحكام وسنة التطور في الحياة ، وعوامل التقدم العلمي ، ومنطق التجاوز المستمر من الصالح إلى الأصلح كما سايروا الأعراف المتطورة من عصر إلى آخر ، أو المتبدلة ما بين بلدة وأخرى ما دام ذلك كله منتشراً وراء أسوار النصوص الحاكمة والمهيمنة (١) .
ثم أشار إلى نماذج من مواقف السلف التي تطورت مع تطور الأحوال والأوضاع في شتى مجالات العلم والسلوك .
ثم قال : إن السلف أنفسهم لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرت منهم ، كما لم يتشبثوا بصور أعمال أو عادات ثبتوا عندها ثم لم يتحولوا عنها بل الذي رأيناه في هذه النماذج اليسيرة هو نقيض ذلك تماماً فكيف نقلدهم في شيء لم يفعلوه ، بل ساروا في طريق معاكس له . . . ؟ (٢) .
ثم ينتهي إلى القول : إن كل ما ذكرنا هنا تلخيص إجمالي للبرهان على أن السلفية لا تعني على كل حال إلا مرحلة زمنية مرت . . . فإن قصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، يتمسك به من شاء ليصبح بذلك منتسباً إليها منضوياً تحت لوائها فتلك إذن إحدى البدع المستحدثة بعد رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) (٣) .
ثم لإبطال حجية مواقف السلف على من بعدهم ما لم يستند إلى برهان يشير إلى نماذج من خلافاتهم واختلافاتهم في المواقف والآراء (٤) ثم يقول : فلو كانت اتجاهات السلف واجتهاداتهم هذه حجة لذاتها ، لا تحتاج هي بدورها إلى برهان أو مستند يدعمها لأنها هي برهان نفسها ، إذن لوجب أن تكون تلك
____________________
(١) نفس المصدر : ص ١٤ ـ ١٥ .
(٢) نفس المصدر : ص ١٨ .
(٣ و ٤) نفس المصدر : ص ٢٣ .