وقد صارت مكافحة هذا الاتجاه الظاهر عن معبد الجهني وغيلان الدمشقي ومحاربته سبباً لظهور المفوضة الذين كانوا يعتقدون بتفويض الأمور إلى العباد وأنه ليس لله سبحانه أي صنع في أفعالهم ، فجعلوا الإنسان خالقاً لأفعاله ، مستغنياً عن الله سبحانه فصار كالإله في مجال الأفعال كما كان القضاء والقدر حاكماً على كل شيء ولا يمكن تغييره بأي صورة أخرى من الصور . فالطرفان يحيدان عن جادة التوحيد ويميلان إلى جانبي الإفراط والتفريط في الخلق وسيوافيك تفصيل القول في محله .
إن القدر بالمعنى الذي جاء في الأحاديث النبوية من شأنه أن يجعل الإنسان مسلوب الاختيار ، مسيراً في حياته غير مختار في أفعاله فعند ذلك يصح للعبد أن يحتج على المولى في عصيانه ومخالفته .
ومن العجيب انه جاء في الصحيحين حديث عن أبي هريرة عن النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : « احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت أبو البشر الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة » ؟ فقال له آدم : « أنت موسى الذي كلمك الله تكليماً وكتب لك التوراة فبكم تجد فيها مكتوباً « وعصى آدم ربّه فغوى » قبل أن أخلق ؟ قال : بأربعين سنة قال فحج آدم موسى » (١) .
وقد اضطرب القائلون بالقدر ومالوا يميناً وشمالاً في تفسير هذا الحديث وأمثاله إذ لو صح القدر بالمعنى الذي جاء في الأحاديث النبوية لكان باب العذر للعبد مفتوحاً على مصراعيه .
والعجب من ابن تيمية حيث فسر الحديث في رسالة أسماها
____________________
(١) جامع الأصول : ج ١٠ ص ٥٢٣ ـ ٥٢٥ وصحيح البخاري : ج ٤ ص ١٥٨ ج ٦ ص ٩٦ وج ٨ ص ١٢٦ وج ٩ ص ١٤٨ .