١ ـ بالنقض بفعل الباري سبحانه ، فإن الحسن قطعي الصدور ، والقبيح قطعي العدم ومع ذلك فالفعل اختياري له والله سبحانه يعامل عباده بالعدل والقسط قطعاً ولا مناص عنه ولا يعاملهم ظلماً وجوراً قطعاً وبتاتاً ومع ذلك ففعله سبحانه المتسم بالعدل ، اختياري لا اضطراري .
٢ ـ إن تعلق مشيئته سبحانه بأفعال العباد ، يرجع لباً إلى تعلقها بحريتهم في الفعل والعمل ، وعدم وجود موجب للجوئهم إلى أحد الطرفين حتماً فشاء الله سبحانه كونهم أحراراً غير مجبورين ، مختارين غير مضطرين حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيی من حي عن بينة . هذا كله حول المشيئة .
وأما كون أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه فهذا أصل يجب الاعتراف به بحكم التوحيد في الخالقية ، وبحكم أن ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (١) .
إلا أنه يجب تفسير التوحيد في الخالقية ، وليس معناه انحصار الفاعلية والخالقية ، أعم من المستقل وغير المستقل بالله سبحانه ، بأن يكون هناك فاعل واحد يقوم مقام جميع العلل والفواعل المدركة وغير المدركة ، كما هو الظاهر من عبارات القوم في تفسير التوحيد في الخالقية ، إذ معنى ذلك رفض مسألة العلية والمعلولية بين الأشياء .
وهذا ما لا يوافق عليه العقل ولا الذكر الحكيم ، بل معناه أنّه ليس في صفحة الوجود خالق أصيل غير الله ، ولا فاعل مستقل سواه سبحانه وأن كل ما في الكون من كواكب وجبال ، وبحار وعناصر ، ومعادن وسحب ، ورعود وبروق ، وصواعق ونباتات ، وأشجار وإنسان وحيوان وملك وجن ، وعلى الجملة كل ما يطلق عليه عنوان الفاعل والسبب كلها علل وأسباب غير مستقلة
____________________
(١) سورة الزمر : الآية ٦٢ .