وبذلك وردت الدعوة السلفية في مراحلها التاريخية المرحلة الثالثة بعد الاندراس ولما تمت معاملة الدول الكبرى على الخلافة العثمانية المسيطرة على أكثر ربوع الإسلام ـ يوم ذاك ـ وأقصيت من ساحة البلاد العربية ، حلت سيطرة آل سعود المتبنين للعقيدة الوهابية من لدن ميلادها ، محلها في أرض الحجاز عموماً ، والحرمين الشريفين خصوصاً . ومن جراء ذلك أخذت الدعوة الوهابية تنتشر في الأراضي المقدسة بالطابع السلفي ، فصارت السلفية والوهابية وجهين لعملة واحدة ، وقد استعانت السلطة السعودية بكل ما تملك من قوة وقدرة إرهابية ، ودراهم ودنانير ترغيبية ، لنشر المنهج الوهابي ، ولكل من ذينك الأمرين أهله ومحله . فاستعملت الأول في الأميين والرعاع من الناس ، واشترت بالثاني أصحاب القلم وأرباب الجرائد والمجلات وسائر وسائل الإعلام . فصارت السلفية في هذه الأماكن رمز الإسلام الأصيل ، وآية الدين الصحيح ، المجرد عن البدع اللصيقة به بعد لحوق النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) بالرفيق الأعلى .
وقد استعانت هذه السلطة في تسريع الحركة الوهابية في هذا الزمان بما ظهر في المناطق الشرقية من الجزيرة من الذهب الأسود فاستولت على زبرج الدنيا وزينتها وتمادت في غيها وساقت كثيراً من الناس إلى معاسيف السبل ومعاميها ، حتى تأثر بتلك الحركة بعض الشبان وغيرهم خارج الجزيرة العربية .
إن الدعايات الخادعة ، أثرت في تفكير كثير من الناس إلى حد تخيل لهم أن تجديد مجد الإسلام وبلوغ المسلمين إلى ذروة السنام لا يتم إلا بإحياء ما كان عليه السلف في الأصول والفروع ، ويريدون منه عهود الخلافة الراشدة والأمويين والعباسيين ، فكأن حياتهم في تلك العصور كانت باقات زهور تفتحت في تلك القرون ، فعم ريحها وريحانها أجواء الأقطار الإسلامية ،
____________________
= والإفتاء والدعوة والإرشاد وأصر فيه على أن عقيدة السلف في هذه الصفات إبقاؤها على مفاهيمها اللغوية بلا تغيير وتصرف . وغير خفي على النبيه أنه لا ينتج إلا التجسيم وإن كان الكاتب والمقرظ لا يعترفان به ، ولكنه لا ينفك عن تلك النتيجة .