قال عمرو : فمره يكتب . قال أبو موسى : اكتب قال عمرو : فظالماً قتل عثمان أو مظلوماً ؟ قال أبو موسى : بل قتل مظلوماً . قال عمرو : أو ليس قد جعل الله لولي المظلوم سلطاناً يطلب بدمه ؟ قال أبو موسى : نعم ، قال عمرو : فهل تعلم لعثمان ولياً أولى من معاوية ؟ قال أبو موسى : لا ، قال عمرو : أفليس لمعاوية أن يطلب قاتله حيثما كان حتى يقتله أو يعجز عنه ؟ قال أبو موسى : بلى ، قال عمرو للكاتب : اكتب وأمره أبو موسى فكتب ، قال عمرو : فإنا نقيم البينة على أن علياً قتل عثمان . . . الخ (١) .
وهذا النص من حجة التاريخ وغيره يعرب عن أن الاعتقاد بخلافة الخلفاء إنما برز للوجود في جو مشحون بالعداء والبغضاء والمنافسة والمغالبة ، حتى جعل ذلك الداهية الماكر ، الاعتقاد بخلافة الشيخين وسيلة لانتزاع الإقرار بخلافة الثالث من الخلفاء ، ولم يكن الانتزاع مقصوداً بالذات بل كان أخذه ذريعة لانتزاع الاعترافات الأخرى من أنه قتل مظلوماً وأنه ليس له ولي يطلب بدمه أولى من معاوية وأن علياً هو القاتل . . . إلى آخره .
ثم إن الأجواء السياسية المخالفة لأمير المؤمنين عليه السلام أخذت تروج تلك العقيدة من أجل الإطاحة به عليه السلام وإثبات صحة قيام معاوية وصحة أعماله وقيامه ونصبه فصار ذلك المستمسك السياسي بمرور الزمان ، عقيدة دينية ، سقته الأوضاع السياسية الأموية والعباسية ، إلى أن ذكرت في الكتب والمؤلفات وعدّت من صميم الدين .
وقد استفحلت أهمية الإيمان بخلافة الخلفاء ولا سيما الثالث منهم في عهد معاوية عندما كتب إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته . فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرئون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من فيها من شيعة علي ( عليه السلام ) فاستعمل معاوية عليهم زياد بن سمية وضم إليها البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم
____________________
(١) مروج الذهب للمسعودي : ج ٢ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧ .