الأساس ، إن شئت قلت : ثبوت الأمر الجاري في العلم الأزلي الإلهي مع إعطاء القدرة على الفعل والترك وتعريف الخير والشر وبيان عاقبة الأول ومغبة الأخيرة ، فهذا العلم السابق لا يستلزم جبراً وعلمه سبحانه بمقادير ما يختاره العباد من النجدين وما يأتون به من العمل من خير أو شر لا ينافي التكليف كما لا سببية له في اختيار المكلفين ولا يقبح معه عقلاً ، العقاب على المعصية ولا يسقط معه الثواب على الطاعة .
أمّا سبق علمه سبحانه على خصوصيات الفعل وتحققه وعدمه فيكفي في ذلك قوله سبحانه : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) وقوله سبحانه : ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ) (٢) وقال عزّ من قائل : ( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ) (٣) .
وأمّا كون القدر والقضاء لا ينافي التكليف فيكفی قوله سبحانه : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٤) وقوله سبحانه : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٥) وقوله سبحانه : ( وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (٦) فالله سبحانه خلق الإنسان مزيجاً من العقل والنفس مع خلق عوامل النجاح تجاه النفس الأمّارة بالسوء ، فمن عامل بالطاعة بحسن اختياره ، ومن مقترف للمعصية بسوء الخيرة . وتدلّ على ذلك الآيات التالية : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) (٧) ( فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (٨) ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
____________________
(١) سورة الحديد : الآية ٢٢ .
(٢) سورة القمر : الآية ٥٢ ـ ٥٣ .
(٣) سورة الحشر : الآية ٥ .
(٤) سورة الإنسان : الآية ٣ .
(٥) سورة البلد : الآية ١٠ .
(٦) سورة لقمان : الآية ١٢ .
(٧) سورة فاطر : الآية ٣٢ .
(٨) سورة يونس : الآية ١٠٨ .