مستقل قائم بذاته ، أو هي أحكام الإسلام وشرائعه ، وعلى كل فهي كتب قيمة لا عوج فيها ولا باطل ، ولا كذب ولا بهتان (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً) [سورة الكهف الآيتان ١ و ٢].
وهل انتهى الكفر بإرسال النبي حتى يصح قوله تعالى : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) والجواب : إن إرسال النبي صلىاللهعليهوسلم كان صدمة للشرك زلزلت عقائد المشركين وفتحت قلوب الجهلاء الملتاثين ، وأنارت الطريق حتى عرفت الحق من الباطل ، فكانت بعثته حدا فاصلا بين عهدين ، لهذا صح قوله : «حتى» ولكن لم يؤمن الكل بالنبي. بل بعضهم وقف من النبي موقف العناد يصد عن سبيل الله ، ويحاول بكل ما أوتى من قوة وجهد أن يصرف الناس عن رسول الله ، أراد الله أن يسلى الرسول ببيان أن كفر الناس وعنادهم طبيعة فيهم ، وقد حصل لإخوانك الأنبياء مثلك ، وتفرق الناس معهم واختلفوا في شأنهم بين مؤمن وكافر (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) (١) ولقد اختلف أهل الكتاب على أنبيائهم ، وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة والحجة القائمة ، أى : بعد إرسال الرسل إليهم.
عجبا لهؤلاء ـ اليهود والنصارى ـ كيف يقفون معك هذا الموقف!! هل جئتهم بأمر جديد عليهم! لا ، هل أمرتهم بالمنكر ونهيتهم عن المعروف؟ إنك لم تأمرهم إلا بعبادة الله وحده مع الإخلاص والبعد عن الشرك والميل عن الإثم وكل بهتان ، وأمرتهم بإقامة الصلاة لله وإيتاء الزكاة؟ ما لهم لا يؤمنون؟! إن كان هؤلاء متمسكين بدينهم حقا ومؤمنين به حقا فدينهم الصحيح يدعو لذلك ، ويدعوهم للإيمان بالنبي محمد وذلك ـ الذي ذكر من العبادة والإخلاص ... إلخ ـ هو دين الكتب القيمة الصحيحة التي لم تحرف بعد ، وهو دين الأمم المستقيمة على الحق والخير ، فهل لهؤلاء عذر في ترك الإسلام؟ وهل يقبل منهم أن يعاندوا رسول الإسلام؟! ما جزاء من يكفر بتلك الشريعة الغراء السهلة السمحة؟ وما جزاء من يؤمن بها ويصدق رسولها؟ أما جزاء الذين كفروا من أهل الكتاب ـ وكانوا أولى الناس بأن يتسابقوا إلى الإسلام ـ والمشركين الذين يعبدون الأوثان ويقدسون الأصنام والأحجار فهم في نار جهنم ، خالدين فيها أبدا.
__________________
١ ـ سورة الأحقاف آية ٩.