مِن وَراءَ وَراءَ ) (١) أي من وَراءِ حجابٍ ، وهاتانِ الكلمتانِ أوردَهما ابنُ دُحْيَةَ مفتوحتَينِ.
فرَدَّ عليهِ الكنديُّ وقالَ : لا يَجوزُ فيهما البناءُ إلاّ على الضّمِّ كقَبْلُ وبَعْدُ ؛ إذا قُطِعَتا عن الإِضافةِ بُنِيَتا على الضمِّ ، ومَنَعَ ابنُ دحيةَ الضّمِ (٢).
والصَّحيحُ أنّ الفتحَ هو المشهورُ فيهما في الحديثِ ضبطاً عن المشايخِ وسماعاً من الائمّةِ ، ورُوِيَ فيهما الضمُّ.
ووجهُ الفتحِ بناؤُهُما عليهِ ؛ لتركيبِهما تركيبَ مزجٍ ، كصباحَ مساءَ ، ويومَ يومَ ، فبُنِيَ الأوّلُ ؛ لافتقارِهِ إلى الثاني فأشبهَ الحرفَ ، والثاني ؛ لتضمّنِهِ معنى الحرفِ ، وهو الواوُ أو الفاءُ إنْ قدّرتَها وقُلتَ : الأصلُ وَراءً ووَراءً ، أو وَراءً فوَراءً ، أو تشبيهاً له بما تضمَّنَ الحرفَ كخمسةَ عشرَ إنْ لم تُقدِّرِ الحرفَ وقُلتَ : المعنى وَراءَ بعدَ وَراءٍ ، وإيثارُ الفتحِ لتجبر خفّتُهُ ثقلَ التركيبِ.
وأمّا تخريجُهُ ـ على ما حكاهُ الكوفيّونَ من بناءِ قَبْلَ وبَعْدَ على الفتحِ ـ فقالَ النوويُّ : هو ضعيفٌ عندَ البصريّين ، فلا يَجوزُ في القرآنِ العزيزِ ولا في الحديثِ ؛ لعدمِ فصاحتِهِ (٣).
ومعنى الحديثِ : إنّي لستُ بتلكَ الدرجةِ ؛ فإنّي أُعطِيتُ المكارمَ بواسطةِ جبرئيلَ ، فأنا وَراءَ موسى الذي حَصَلَ له السَّماعُ بلا واسطةٍ ، وهو وَراءَ محمّدٍ صلىاللهعليهوآله الذي حَصَلَ له السَّماعُ والرّؤيةُ بلا واسطةٍ.
( أَشَيءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسولِ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوْ مِنْ وَراءَ وَراءَ؟ ) (٤) أي ممّن جاءَ خلفَهُ وبعدَهُ.
__________________
(١) النّهاية ٥ : ١٧٨ ، مجمع البحرين ١ : ٤٣٥.
(٢) انظر تهذيب الأَسماء الجزء الثّاني من القسم الثّاني : ١٩١ وشرح مسلم للنّوويّ ١ : ٧١.
(٣) تهذيب الأَسماء واللّغات للنّوويّ الجزء الثاني من القسم الثّاني : ١٩١ « ورا ».
(٤) النّهاية ٥ : ١٧٨ ، مجمع البحرين ١ : ٤٣٥.