(وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [المائدة : ١٢] وقد وصفنا في ذلك أن الله تعالى جعل ما يصلون به أرحامهم ويتصدقون على فقرائهم كأنهم أقرضوا الله ؛ كرما منه وفضلا ولطفا ، فكذلك يحتمل أن يكون جعل ما ينصرون به دينه أو رسوله نصرا له تعالى.
وكذلك قوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، والمعنى في هذا : إن تنصروا دين الله ينصركم ، أو إن تنصروا رسول الله أو تنصروا الحق ، والله أعلم أي ذلك كان.
ويحتمل أن يكون المراد من ذلك كله ، أي : اجعلوا ما تنصرون به دينكم لله تعالى ولوجهه. وكذلك قوله : (وَأَقْرَضُوا اللهَ) [الحديد : ١٨] تعالى : اجعلوا ذلك لله ولوجهه الكريم ، ولا بد من أن يكون في هذه الآية إضمار : إما في الابتداء أو في الانتهاء حتى تستقيم عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) فكأنه يقول : قل للذين آمنوا : كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله؟
أو يكون معناه وإضماره في حق الإجابة ، أي : أجيبوا لله ورسوله وكونوا أنصارا له كما أجاب قوم عيسى بقولهم : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ). والحواريون : المتبصرون المنقون دينهم عن الشبهة ، وهم قوم كانوا خيرة عيسى ـ عليهالسلام ـ وخاصته حيث دعاهم إلى دينه فأجابوه وآمنوا به ، ونقوا دينهم عن كل شبهة وآفة وعيب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) هذا يحتمل أن يكون في حياة عيسى ـ عليهالسلام ـ حين اتبعه الحواريون ثم دعا بعد ذلك قومه إلى دينه فآمنت طائفة وكفرت طائفة ، (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبراهين والحجج على الطائفة الذين كفروا ؛ (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) على أعدائهم بالحجج والبراهين.
ويجوز أن يكون بعد وفاة عيسى ـ عليهالسلام ـ حين اختلفوا في ماهيته : فمنهم من قال : هو الله ، ومنهم من قال : هو ابن الله ؛ فكفرت به هذه الطائفة وآمنت به طائفة أخرى ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم حين وقع لهم قتال ؛ فنصروا عليهم وظفروا ، والله أعلم.
تمت السورة بحمد الله وحسن توفيقه ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
* * *