إلى أنواع أربعة :
جهاد في سبيل الله بمقاتلة أعدائه ، والاستقصاء في طاعته.
وجهاد فيما بين الإنسان ونفسه أن يجاهد في قهرها ومنعها عن لذاتها وشهواتها ، وعما يعلم أنه يهلكها ويرديها.
وجهاد فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يدع الطمع فيهم ، وأن يشفق عليهم ويرحمهم ، وألا يرجوهم ولا يخافهم.
وجهاد فيما بينه وبين الدنيا وهو أن يتخذها زادا لمعاده ، أو مرمّة لمعاشه ، ولا يأخذ منها ما يضره في عقباه.
وكل هذه الأنواع يستقيم أن يسميها جهادا في سبيل الله.
ثم إن هذه الآية تنتظم مسائل ثلاثا :
إحداها : أن كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؟
والثانية : أن كيف يرجى له النجاة إذا آمن بالله ورسوله ، ولم يجاهد في سبيل الله وقد أوجب عليه ذلك؟
والثالثة : أن كيف يخاف عليه العذاب إذا آمن بالله ورسوله ، وجاهد في سبيل الله ، وأتى بالكبيرة مع قوله : (تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)؟
أما الجواب عن المسألة الأولى : أنه يحتمل أن يكون المراد من هذه الآية أهل النفاق ؛ فيكون المعنى من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في الظاهر ، (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، أي : تصدقون بقلوبكم.
ويجوز أن تكون في أهل الكتاب أيضا فكأنه قال ـ عزوجل ـ : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة ، آمنوا بالله وبمحمد صلىاللهعليهوسلم وبهذا الكتاب.
هذا إذا كان في الكفار.
فأما إذا كان في المؤمنين يجوز أن يكون أمر بالإيمان من بعد ما آمنوا ، بمعنى : الثبات عليه أو الزيادة وبحق التجدد ، وأن الإيمان في حادث الأوقات له أسماء ثلاثة : الزيادة ، والثبات ، والتجدد ؛ وذلك أن الله تعالى ذكر هذا النوع في كتابه مرة باسم الزيادة ؛ حيث قال : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] ، ومرة باسم الثبات بقوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [إبراهيم : ٢٧] ، ومرة بالإيمان بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) [النساء : ١٣٦].
فإن كان على الزيادة والثبات ، فذلك لطف من الله تعالى ؛ وذلك أن الزيادة والثبات هما اسمان يطلقان على فعل دائم ، وفعل الإيمان منقض ، ولكنه يجوز أن يكون الله تعالى