آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ، أي : لم تعدون ما لا تفون به؟
ومنهم من قال (١) : إنها في بعض المؤمنين في القتال أيضا ، وإنها على التقديم والتأخير.
ووجه ذلك : أنهم أحبوا أن يعملوا بأحب الأعمال إلى الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ ...) الآية [الصف : ١٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا).
فلما يفوا بما وعدوا ؛ فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
ويجوز أن تكون هذه الآية في كل مؤمن ؛ لأنه قد اعتقد كل من آمن بإيمانه الوفاء بما وعده من الطاعة لله تعالى والاستسلام له والخضوع ، فإذا لم يف بما وعد ، خيف عليه في كل زلة أن يدخل في هذه الآية ، وليس أحد من المؤمنين قد وفى بما وعد كله ، والواجب عليه أن يتوب من ذلك توبة بليغة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ).
المقت : البغض ، ومن استوجب مقت الله ، لزمه العقاب [عنه] لا محالة ، ولكنه يحتمل أن يكون هذا فيمن اعتقد ترك الوفاء بما وعد واستحلال ما نهاه الله تعالى [عنه] ؛ فيستوجب مقت الله تعالى ونقمته لا محالة.
وإن كان فيمن تثبت على اعتقاده ، وزل في أفعاله ، فالواجب أن يقسم الذنوب ؛ فيلزمه الخوف على مراتبها ودرجاتها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ).
ليس فيه أن الله تعالى لا يحب المبارز ؛ لأن الجهاد والقتال على المبارز أشد ، وذلك أنه إذا كان في الصف أعانه على القتال غيره ؛ فكان أمنه على نفسه في الصف أكثر ، وأما المبارز فإنه وحده ليس له معين ؛ فإن ظفر على صاحبه وإلا هلك ، والخوف عليه في ذلك أشد ؛ فيجب أن تكون المحنة فيه أكثر.
ولكنه يجوز أن يكون الله تعالى علمهم بهذه الآية كيفية القتال ؛ ليستعين بعضهم ببعض ، وليكون كلمتهم واحدة ؛ لأنهم إذا تفرقوا اختلفت آراؤهم ، فيخشى عليهم الهزيمة والإدبار ، وإذا كانت آراؤهم متفقة ، وكلمتهم واحدة ، وشوكتهم واحدة ، فذلك قوة في
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٤٠٤٢) و (٣٤٠٤٣) وعبد بن حميد وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣١٦). وهو قول مجاهد وأبي صالح ومقاتل وزيد بن أسلم.