قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ).
المعنى عندنا ـ والله أعلم ـ : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) ، يعني : قائلات : إنهن مؤمنات.
(فَامْتَحِنُوهُنَّ).
لأنه لو كان على حقيقة الإيمان لم يكن لقوله : (فَامْتَحِنُوهُنَ) معنى ، فلما أمر بالامتحان ثبت أن تأويل قوله : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) ما وصفنا بدءا.
ومثل هذا ما قال : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠] ، وكان المعنى منه : من تكلم بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ؛ فكذلك يجوز أن يكون المعنى من الأول ما سبق ذكره ، والله أعلم.
ثم إن المفسرين ذكروا وصف امتحانهن : أنهن يحلفن بالله ما أخرجهن من دارهن بغض أزواجهن ، أو يحلفن أنهن ما أردن بخروجهن أرضا سوى أرضهن ؛ وإنما أردن بذلك الإسلام. وهذا تأويل فاسد ؛ وذلك أنها إذا أسلمت كان الحق عليها في دينها أن تبغض زوجها الكافر ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة : ٤] ، فكيف يجوز أن يكون صفة امتحانهن ما ذكروا ، وحكم الشريعة والدين يوجب ما كن يفعلنه؟! فلذلك قلنا : إن هذا التأويل ـ الذي ذكره بعض المفسرين في وصف الامتحان ـ غير مستقيم.
ويجوز أن يكون تأويل امتحانهن على وجهين :
أحدهما : أن يستوصفن عن الإيمان : ما هو؟ فإذا أخبرن عن حقيقة الإيمان علم أنهن مؤمنات.
والثاني : يعرض عليهن ما على المؤمنات في إيمانهن ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلا