الظفر والعاقبة؟ كما أخبر عنهم في آية أخرى ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) [النساء : ١٤١] : فأخبر الله ـ تعالى ـ : أنهم يتربصون العاقبة ، فالتجاؤهم إلى قرى محصنة يجوز أن يكون بهذا التأويل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ).
يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول : (بَأْسُهُمْ) ، يعني : قوتهم (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) ، ما لم يروا أعداء ظاهرة.
أو يقول : بأسهم شديد ما دام القتال بينهم ؛ لأنه ليس فيهم من أكرم بالرعب مسيرة شهرين ، فإذا أكرم بالرعب هذا المقدار من المسير ، فلا يحرم ذلك في أهل قريته ، وإذا كان كذلك ثبت أن التأويل ما وصفنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى).
لأن همة المنافقين سلامة الأنفس وراحة الأبدان ، وهمة أهل الكتاب الذب عن المذهب والسعي في إقامته ، فإذا اختلف همتهم ومقاصدهم تشتت قلوبهم ، وذلك معنى قوله : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [النساء : ١٤٣] يعني : في الهمم والقلوب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ).
يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم لا يعقلون حق الوعد والوعيد.
والثاني : أنهم لا ينتفعون بما يعقلون.
والثالث : أنهم لا يعقلون لمن يكون له العاقبة ، وقد وصفنا أن عادتهم التربص لمن يكون الظفر والعاقبة ، فإذا اشتبهت عليهم العاقبة ولم يعقلوها لم يوالوا واحدا من الفريقين في الظاهر والباطن جميعا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ...) الآية.
يجوز أن يكون في هذا إضمار مثل آخر ؛ كأنه يقول : مثل هؤلاء الكفار كمثل الذين كانوا من قبلهم ، وكذلك في قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [البقرة : ١٧١] ، يعني : مثل محمد صلىاللهعليهوسلم [و] مثل هؤلاء الكفار ، على إضمار مثل آخر ، ثم التمثيل وكيفيته يحتمل أوجها ثلاثة :
أحدها : أن يقول : مثل هؤلاء الكفار الذين أساءوا لرسوله كمثل الكفار الذين أساءوا