يدلكم ويعرفكم أن اتفاقكم على النصرة على النبي صلىاللهعليهوسلم لا يغنيكم ، كما لم يغن هؤلاء الذين خرجوا إلى مكة واتفقوا مع المشركين ، ثم لم يغنهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا).
يعني : لو لا أن كتب الله عليهم الجلاء في اللوح المحفوظ ، لعذبهم في الدنيا بالقتل (١).
وقوله : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ).
قال هذا في قوم علم أنهم يموتون على الكفر ، وما روي أن أحدا منهم مات على الإسلام ؛ فيكون فيه دلالة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يخبر ذلك بالوحي والتنزيل ، لا من تلقاء نفسه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ).
يحتمل أوجها ثلاثة :
أحدها : أن يقول : (ذلِكَ) ، يعني : ذلك العذاب في الآخرة بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله ، ثم المشاقة والمعاداة والمحادة والمضادة بمنزلة واحدة ، وذلك كله : بمعنى المعاداة.
وقوله : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
يحتمل أن يكون على التقديم والتأخير ؛ ووجهه أن يقول : إن الله شديد العقاب لمن يشاقق الله ورسوله ، أو يكون فيه إضمار كأنه يقول : إن عقوبته لمن يشاق الله ورسوله شديدة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ).
وما ذكر أن اليهود نادوا المسلمين : إنكم تزعمون أن الله لا يحب الفساد ، وأنتم تفسدون بقطع النخيل لا يحتمل هذا ؛ قال الله ـ تعالى ـ قبل : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) ، فإذا كانت أنفسهم تسخو بتخريب البيوت ؛ فما بالها لا تسخو بقطع الأشجار؟! ومعلوم أنه لا يؤمل في البيوت منفعة بعد تخريبها ، وقد يؤمل في النخيل منافع بعد قطعها ، ولكن إن كان يصح ذلك الخبر فتأويله عندنا أنه يجوز أن يكون المسلمون خوفوهم بالقتل ؛ فقالوا على أثر ذلك : إنكم إذا قتلتمونا صارت هذه النخيل لكم ؛ فكيف تفسدون أملاككم؟!
__________________
(١) قاله الزهري أخرجه الطبري في تفسيره (٣٣٨٣٢).