ثم المعنى في إضافة الإخراج إليه يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه اضطرهم إلى الخروج فنسب الإخراج إليه ؛ كما قال الله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [التوبة : ٤٠].
والثاني : أنه خلق الخروج من ديارهم منهم ؛ فأضيف إليه بحكم الخلق ، ثم الأصل في إضافة الفعل إلى الله تعالى أنه يجوز أن يضاف إليه على التحقيق وعلى التسبيب ، وأما الخلق قلما يضاف الفعل إليهم على جهة التسبيب لا على التمكين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ).
اختلفوا فيه :
قال بعضهم (١) : أول الحشر الجلاء إلى الشام ، والحشر الثاني : حشر القيامة.
وقال بعضهم : أول الحشر حشر أهل الكتاب وجلاؤهم من جزيرة العرب ، والحشر الثاني : حين أجلاهم عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى الشام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي : ما ظننتم أيها المؤمنون أن تنتصروا منهم ، فضلا عن أن يخرجوا من ديارهم ، ولكن ذلك من لطف الله ومنته عليكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ).
لا يحتمل أن يتوهم أحد هذا ، والمعنى في ذلك عندنا وجهان ـ والله أعلم ـ : أحدهما : أنهم ظنوا أن الله ـ تعالى ـ حيث آتاهم القوة والحصون لا يبلغ بهم حكمه المبلغ الذي يخرجون من ديارهم ؛ لأنهم كانوا أهل كتاب وكانوا يزعمون أنهم أولى بالله من غيرهم كقوله : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ، ويكون قوله : (مِنَ اللهِ) ، أي : بالله وبأمره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] ، أي : بأمر الله ؛ فعلى ذلك ، الأول.
والثاني : أي : ظنوا أن حصونهم وقوتهم تمنعهم من أولياء الله أن يظهروا عليهم ، أو من دين الله أن يظهر فيهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا).
يعني : أنه قذف في قلوبهم الرعب من حيث لم يحتسب المؤمن ولا الكافر ؛ لأن المسلمين لم يظنوا أن يقهروهم ويغلبوهم ؛ مع قلة عددهم وكثرة عدد أولئك ، وكذا لم يحتسب الكفرة أنهم مع قوتهم وقوة حصونهم يقهرون ويغلبون ، حتى منّ الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه الطبري في تفسيره (٣٣٨١٥).